رونالدو بنشوة الانتصار: المشوار لا يزال طويلًا.. ولا أحد يحسم الدوري في منتصف الموسم    البرهان يطلق تصريحات جديدة مدويّة بشأن الحرب    الصادق الرزيقي يكتب: البرهان وحديث انقرة    انطلاقًا من الأراضي الإثيوبية..الجيش السوداني يتحسّب لهجوم    الأهلي مروي يستعين بجبل البركل وعقد الفرقة يكتمل اليوم    عبدالصمد : الفريق جاهز ونراهن على جماهيرنا    المريخ بورتسودان يكسب النيل سنجة ويرتقي للوصافة.. والقوز أبوحمد والمريخ أم روابة "حبايب"    الوطن بين احداثيات عركي (بخاف) و(اضحكي)    شاهد بالفيديو.. مطرب سوداني يرد على سخرية الجمهور بعد أن شبهه بقائد الدعم السريع: (بالنسبة للناس البتقول بشبه حميدتي.. ركزوا مع الفلجة قبل أعمل تقويم)    الخرطوم وأنقرة .. من ذاكرة التاريخ إلى الأمن والتنمية    السودان يعرب عن قلقه البالغ إزاء التطورات والإجراءات الاحادية التي قام بها المجلس الإنتقالي الجنوبي في محافظتي المهرة وحضرموت في اليمن    شاهد بالفيديو.. (ما تمشي.. يشيلوا المدرسين كلهم ويخلوك انت بس) طلاب بمدرسة إبتدائية بالسودان يرفضون مغادرة معلمهم بعد أن قامت الوزارة بنقله ويتمسكون به في مشهد مؤثر    "صومالاند حضرموت الساحلية" ليست صدفة!    مدرب المنتخب السوداني : مباراة غينيا ستكون صعبة    لميس الحديدي في منشورها الأول بعد الطلاق من عمرو أديب    شاهد بالفيديو.. مشجعة المنتخب السوداني الحسناء التي اشتهرت بالبكاء في المدرجات تعود لأرض الوطن وتوثق لجمال الطبيعة بسنكات    تحولا لحالة يرثى لها.. شاهد أحدث صور لملاعب القمة السودانية الهلال والمريخ "الجوهرة" و "القلعة الحمراء"    القوات المسلحة: هجوم الطينة بطائرة مسيّرة عملٌ عدائي لمليشيا آل دقلو ويهدد أمن الإقليم    رقم تاريخي وآخر سلبي لياسين بونو في مباراة المغرب ومالي    شرطة ولاية القضارف تضع حدًا للنشاط الإجرامي لعصابة نهب بالمشروعات الزراعية    استخدام وسائل التواصل الاجتماعي وراء تزايد تشتت انتباه المراهقين    بدء أعمال ورشة مساحة الإعلام في ظل الحكومة المدنية    مشروبات تخفف الإمساك وتسهل حركة الأمعاء    منى أبو زيد يكتب: جرائم الظل في السودان والسلاح الحاسم في المعركة    «صقر» يقود رجلين إلى المحكمة    شرطة محلية بحري تنجح في فك طلاسم إختطاف طالب جامعي وتوقف (4) متهمين متورطين في البلاغ خلال 72ساعة    بالفيديو.. بعد هروب ومطاردة ليلاً.. شاهد لحظة قبض الشرطة السودانية على أكبر مروج لمخدر "الآيس" بأم درمان بعد كمين ناجح    ناشط سوداني يحكي تفاصيل الحوار الذي دار بينه وبين شيخ الأمين بعد أن وصلت الخلافات بينهما إلى "بلاغات جنائية": (والله لم اجد ما اقوله له بعد كلامه سوى العفو والعافية)    منتخب مصر أول المتأهلين إلى ثمن النهائي بعد الفوز على جنوب أفريقيا    كيف واجه القطاع المصرفي في السودان تحديات الحرب خلال 2025    إبراهيم شقلاوي يكتب: وحدة السدود تعيد الدولة إلى سؤال التنمية المؤجَّل    مباحث قسم الصناعات تنهي نشاط شبكة النصب والاحتيال عبر إستخدام تطبيق بنكك المزيف    وحدة السدود تعيد الدولة إلى سؤال التنمية المؤجَّل    تراجع أسعار الذهب عقب موجة ارتفاع قياسية    وزير الداخلية التركي يكشف تفاصيل اختفاء طائرة رئيس أركان الجيش الليبي    "سر صحي" في حبات التمر لا يظهر سريعا.. تعرف عليه    والي الخرطوم: عودة المؤسسات الاتحادية خطوة مهمة تعكس تحسن الأوضاع الأمنية والخدمية بالعاصمة    فيديو يثير الجدل في السودان    ولاية الجزيرة تبحث تمليك الجمعيات التعاونية الزراعية طلمبات ري تعمل بنظام الطاقة الشمسية    شرطة ولاية نهر النيل تضبط كمية من المخدرات في عمليتين نوعيتين    الكابلي ووردي.. نفس الزول!!    استقالة مدير بنك شهير في السودان بعد أيام من تعيينه    كيف تكيف مستهلكو القهوة بالعالم مع موجة الغلاء؟    اكتشاف هجوم احتيالي يخترق حسابك على "واتسآب" دون أن تشعر    قبور مرعبة وخطيرة!    عزمي عبد الرازق يكتب: عودة لنظام (ACD).. محاولة اختراق السودان مستمرة!    البرهان يصل الرياض    مسيّرتان انتحاريتان للميليشيا في الخرطوم والقبض على المتّهمين    إسحق أحمد فضل الله يكتب: (حديث نفس...)    مياه الخرطوم تكشف تفاصيل بشأن محطة سوبا وتنويه للمواطنين    الصحة الاتحادية تُشدد الرقابة بمطار بورتسودان لمواجهة خطر ماربورغ القادم من إثيوبيا    مقترح برلماني بريطاني: توفير مسار آمن لدخول السودانيين إلى بريطانيا بسهولة    الشتاء واكتئاب حواء الموسمي    عثمان ميرغني يكتب: تصريحات ترامب المفاجئة ..    "كرتي والكلاب".. ومأساة شعب!    ما الحكم الشرعى فى زوجة قالت لزوجها: "من اليوم أنا حرام عليك"؟    حسين خوجلي: (إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار فأنظر لعبد الرحيم دقلو)    حسين خوجلي يكتب: عبد الرجيم دقلو.. إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار!!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مضوي الترابي : مفاصلة الإسلاميين لم تكن صراع مقاصد بل مصالح
نشر في حريات يوم 23 - 06 - 2014


حاوره : حسن محمد علي
جاءت هذه المقابلة مع الدكتور مضوي الترابي، لتنتزعه من صمت امتدّ لقرابة عامين، ظل خلالها الكثير من متابعيه يرجون الفتى النحيل.. لم يكن هؤلاء يدرون أن مضوي بمثلما يريد أن يهمس بالحقيقة في أرجائها كما اعتاد؛ بلا رداء أو لباس، يحب أيضا أن لا تخرج منه طلقة طائشة ويفضّل عليها صمت السنين.. جال معنا الرجل في ثنايا هذا الحوار في أحوال بلاد متلاحقة الأزمات؛ مضى هينا في ملامسة الجرح، مثل طبيب يشقّ بمبضعه موضع الألم، وأرعبنا بواقع اجترار التجارب الذي لازم حالتنا السياسية.. الحوار مع شخصية مثل مضوي الترابي تحتاج للكثير من التركيز لكي تحتوي إجاباته العميقة.. الرجل بحنكة معرفية يتسم بها، يعيد تركيب المكعبات المتناثرة هنا وهناك.. حسناً، السوانح القصيرة أيضا تكفيها إجابات وإن قلت كلماتها وزادت مدلولاتها إلى أعلى سقف تحتمله المعاني، ومهما يكن من قول فإن ابن الجزيرة الخضراء قد أجاب علينا كأنما لم يجب من قبل عن سؤال.. من جانبنا فقد ألححنا عليه حتى أشفقنا على قلبه المفجوع، فبادلنا الشفقة على وطن، بل على مبكى بلا دموع.
مفاصلة الإسلاميين لم تكن صراع مقاصد بل مصالح
* البعض ينظر بريبة لتلاقي الإسلاميين خاصة المؤتمرين الوطني والشعبي.. هل انتهى الأمر بالمفاصلة وخلاف الإسلاميين أن يكون مسرحية كما يتهمها البعض..؟
- لا أرى الأمر هكذا، ولا أعتقد أن العمل المسرحي مهما ضعف فيه الوازع الأخلاقي، يمكن أن يصل مرحلة التصفيات الجسدية، وقد عانى منها الطرفان لمن يعلم. المؤسف له في رأيي أن المفاصلة لم تكن صراع مقاصد ومعتقدات، بل كانت صراع مصالح في أدنى درجاته. ولا أنظر للأمر بريبة وأفضل أن تكون بالسودان كتلتان أو ثلاث كتل سياسية كبيرة بدلا من هذا التشظي العبثي واللافتات المعروضة للإيجار مقابل وظيفة أو وظيفتين لمن يجيدون اختطاف التنظيمات أو المسميات السياسية.
* لماذا برأيك ظل الدكتور حسن الترابي صامتا طوال هذه الفترة رغم تفجر العديد من القضايا التي عرف بالصدع برايه حولها..؟
- يسأل الدكتور حسن الترابي عن هذا الأمر، فعلاقتي به هي علاقة الصغير بالكبير داخل الأسرة السودانية التقليدية، وقد نتحدث كثيرا في الشأن العام في عمومياته، ولكن ليس لدرجة أن أفسر أو أعرف متى يتحدث الأمين العام للمؤتمر الشعبي ومتى يصمت وماذا يقول فهذا شأن داخلى يخص الشعبي وأمينه العام. وأنا لم أكن يوما جزءا من الحركة الإسلامية بمسمياتها وبتخلقاتها، كما لم أكن جزءا من الإنقاذ ومشروعه حتى عندما كان الدكتور الترابي الآمر الناهي. احتفظت فقط بتقديري واحترامي له كرمز وطني وكمفكر في حدود ما تمت تربيتنا عليه في أدب الاختلاف.
* هنالك انتقادات دائمة للسياسة الخارجية.. برأيك اين القصور وكيف يمكن تجاوزه؟
- لكي نفهم الأمر علينا أن ننظر للنظام السياسي في البلد. فهو نظام جمهوري رئاسي السلطة فيه مركزة في يد رئيس الجمهورية، وإن أردت أن أعرف اتجاهات السياسة فسأنظر بادئ ذي بدأ في تصريحات الرئاسة حتى وإن صدرت من مدير الإدارة السياسية بالقصر. والوزراء بمن فيهم وزير الخارجية هم مستشارون لرئيس الجمهورية وقادة لأطقم تنفيذ السياسة (الوزارة) مع السماح بمساحة مناورة لا تخرج السياسة عن إطارها المرسوم.
والسياسة الخارجية من المفترض أن تخدم وفي درجة من التوازن المصالح والمقاصد العليا للدولة، ولكن عندما تصبح المصالح أسيرة مقاصد تنظيم لا دولة تختل المعادلة وترتبك السياسة. وفوق هذا يوجد مجلس للسياسة الخارجية، تم بمبادرة من عمنا البروفيسور حسين أبو صالح ويضم نخبة من كبار وقدماء السفراء المهنيين المحترفين، وبعض قادة الأكاديميا السودانية، وناشطي العمل السياسي وقادة الرأي العام. وكنت عضوا فيه وحضرت الكثير من جلساته وشاركت في توصياته، ولكن قد يصبح هذا كله جهدا ضائعا طالما أن التنسيق غير محكم والاختصاصات متداخلة بين أجهزة كلها لها علاقة بالسياسة الخارجية (رئاسة الجمهورية، أمانة الشؤون الخارجية بالمؤتمر الوطني، لجنة العلاقات الخارجية بمجلسي البرلمان، الوزير، الإدارات المختلفة التابعة له بالوزارة، مجلس السياسة الخارجية، مراكز البحوث والدراسات عندما تكلف بأمر يتعلق بالسياسة الخارجية، والمدافع المفلوتة الأخرى، التي تحدث بالنيران الصديقة من الدمار أكثر مما يحدثه الخصوم. مما هو ماثل أمامي أرى أن لنا علاقات خارجية ولكن ليست لنا سياسة خارجية تحسب وبدقة التناغم بين المصالح والمقاصد، بدلا من هذا الارتباك الذي قد يحتاج إصلاحه لعقد كامل من الزمان أو أكثر.
* وتقييمك للقائمين على سدّة الخارجية؟
- تربطني بمولانا الأستاذ على كرتي صداقة قديمة وشهادتي فيه قد تعتبر مجروحة. وهو رجل كفء في رأئي دون شك، جمع بيننا العمل أثناء الفترة الانتقالية لاتفاقية السلام (كان وزيرا للدولة، مع لام أكول، ومع دينق ألور) وكان للجنة الأمن والدفاع بالبرلمان عمل مشترك مع لجنة العلاقات الخارجية، وعمل آخر مع لجنة حقوق الإنسان بالبرلمان ايضا في مؤتمرات مجلس حقوق الإنسان التابع للأم المتحدة في جنيف. عملت معه وخبرته عن كثب؛ رجل صبور، ومستمع جيد لا يقاطعك أبدا ومحام متمكن في مجاله المهني، ويقود في دربة وحنكة أطقم وزارته، قادر على دراسة وفهم الأمور واتخاذ القرار. لكن القصة ليست قصة على كرتي أو حتى هنري كيسنجر إن جنسناه، القصة منظومة معقدة ومركبة من مراكز القوى ومراكز الاستحواذ تعمل دون علم، وفي تقاطعات دونها الكلمات الصينية المتقاطعة.
* التشكيلات الجديدة في الوسط الإقليمي العربي بصعود رؤساء جدد.. كيف يبدو مستقبل العلاقات الخارجية للبلاد على ضوئها.؟
- أجبت على هذا السؤال في إجابة ضمنية عندما تحدثت عن الحوار ومآلاته. وهي تشكيلات خطرة قد تقود إلى حروب كبيرة في الإقليم، يعاد به تشكيل خارطة المنطقة، ومراكز القوى.
* آخر قضية يمكن القياس عليها قضية الفتاة المرتدة كيف أثرت على علاقات البلاد الخارجية خاصة الدول العظمى مثل بريطانيا..؟
- إذا قرأنا وبتمعن عريضة الاستئناف التي قدمها فريق الدفاع لاتضح لك أن الحكم قد شابته الكثير من الشوائب، في الإجراءات، وفي الإثبات، وفي المخالفات الصريحة للقانون (تضارب أقوال الشهود)، وفي قانون الاختصاص (المحكمة، وزواج غير المسلمين) وتعارض بعض القوانين مع الأحكام الدستورية الواردة في وثيقة الحقوق الأساسية والمواثيق الدولية التي وقع عليها السودان وأصبحت جزءا من قوانينه، كل هذا يقود إلى تفكير لماذا استعجلت المحكمة في إصدار حكم كهذا؟، وهل كانت تحت ضغط من لا يرون في الإسلام غير القطع والبتر والقتل وتصريحات الصحف كانت مليئة بمن رسموا الخطوط الحمراء. أرى أن الله أراد بنا جميعا الخير إذ أن صاحبة العلاقة مرضع الآن، ولن ينفذ فيها حكم قبل سنتين (الفطام) أتمنى حتى ذلك الوقت أن تتضح الجوانب الخفية من هذه القضية وتخرج البلاد من هذا المطب الخطر.
* ندلف إلى البيت الاتحادي الممزق؛ هل يمكن رتقه مرة أخرى؟ وبأي صيغة وقيادة ولافتة..؟
- لست متضايقا من هذا. فالحركة الاتحادية هي حركة وتيار وسط عريض به حركة مد وجزر متواصلة، يعلو جزرها على مدها أحيانا أو العكس. وبالتالي لا يمكن للحركة الاتحادية في أي من مسمياتها أن تصبح تنظيما حديديا سردابيا لديه حدود وإحداثيات يمكن قراءتها، وبالتالي الانشطارات فيها هي الأصل والتوحد هو الاستثناء، يوحدها برنامج حديث جاذب أو قيادة كاريزمية طاغية، أو ضرورة تاريخية يدركها مواطن الوسط السياسي لا الجغرافي بحسه الغريزي ويحدث الاصطفاف. الآن أرى أن بلورة خلف المشروع الوطني لبناء الدولة الليبرالية المدنية، التي تقوم على حقوق المواطنة والفرص المتساوية، والعدالة الاجتماعية والحكم الشفاف المراقب، دولة الاقتصاد الحر ذي البعد الاجتماعي، دولة الانفتاح والتأثير والتأثر، الدولة التي لا تريد أن تكون الأكبر، أو الأقوى، أو الأغنى، فلكل من هذا استحقاقات مكلفة ومنهكة، ولكنها القادرة على أن تكون الأحسن من حيث النوع (نوع التعليم، وتربية النشء والشعور بالكرامة والاحترام الفردي، وفرص العمل المتكافئة الشفافة، دولة المواطنين لا دولة التمكين) قد بدأت في التشكل. وأرى أن فجرا كهذا قد بدأت قسماته عند الشروق.
* الفكر الاتحادي على قلته يراه البعض غير صالح الآن لمعالجة الحلول الوطنية.. كيف تقيم مسيرة الحزب في هذا المجال وقدرته على التخلق..؟
- الفكر الاتحادي ليس فكرا مستوردا كالفكر الماركسي أو فكر أبو الأعلى المودودي، ولكنه تفاعل اجتماعي حركي تتسارع وتيرته وتتباطأ منذ بداية الانصهار الكبير في السلطنة الزرقاء في القرن السادس عشر، مرورا بالدولة التركية والدولة المهدية وجمعية الاتحاد في عشرينيات القرن الماضي واللواء الأبيض، وحركة الخريجين والحلف الكبير بين القبائل الكبرى، والطرق الصوفية الرئيسة بقيادة الصفوة المثقفة التي كونت الوطني الاتحادي وحازت به على أول تفويض أغلبية في تاريخ الديمقراطية السودانية. وهي أيضا ثورة الاشتراكية الاجتماعية التي قادها الشريف حسين الهندي في النصف الثاني من ستينيات القرن الماضي وأنجز بها الإصلاح الزراعي، وتغيير علاقات الإنتاج في المشاريع المروية، وبند العطالة، ومجانية التعليم وسودنة التجارة الخارجية وكسر احتكار السلاح الغربي بالنسبة للدرع الوطني السوداني (القوات المسلحة). وفي كل هذا تمددت في دارفور والجنوب والشرق، والشمال، وجنوب النيل الأزرق، والوسط النيلي وكردفان، لم تميز بين الناس باللون أو الجنس أو العرق أو الدين أو اللسان والثقافة أو الانتماء الجغرافي أو الطبقي، وليس هنالك حزب مؤهلا بإرثه ومعتقده لإحياء هذه القيم سوى الحركة الاتحادية في تخلقها وبعثها الجديد (وجر نفس يا صديقي أنت موعود بأطروحة جديدة لمشروع نهضوي وطني فكرا وتأصيلا يعيد السودان لدوره الريادي الذي عرفه به الناس في العالم والإقليم). أما الأشجار المستوردة من بيئة أخرى ومغروسة في تربة غريبة فستتحول عما قريب إلى لوح من الخشب مهما ضخوا فيها من مياه وسماد مستورد.
* مقولات مثل لا قداسة مع السياسة مازالت تراوح مكانها قولا لا فعلا..؟
- وستظل إلى حين، طالما أن بعض الأحزاب تخلط بين إدارة الحزب والطائفة، وطالما أن الشيخ هو نفسه، قائد الحزب وراعي ومرشد أو إمام الطريقة، والحركة الاتحادية في تخلقها الجديد وتجديد إهابها ليست معنية بهذا الأمر، سنتعاون مع أشقائنا في ما هو متفق عليه في الخطط والبرامج، في الشأن العام في إطار الوطن الواحد الذي يسع الجميع.
* برأيك هل أخفق الميرغني في تحقيق الوحدة الاتحادية والوطنية وكيف تقيم أداء أبنائه الآن..؟
- المشكلة كانت في المصطلح، أراد مولانا لم الشمل وهذا يعني أن يأتي الآخرون فرادى ليدخلوا في حزب اسمه الاتحادي الديمقراطي وبين آخرين رأوا أن هنالك ظرفا موضوعيا دفع بهم لترك الحزب بعد أن آلت قيادته لشيخ الطريق الختمية بوضع اليد دون انتخاب وبدون تحديد لزمن التفويض مجسدا (الحق الإلهي المقدس الذي انتهي بإنتصار الثورة الفرنسية في القرن السابع عشر) ونحن نتمنى لمولانا وللأشقاء من عضوية الحزب الاتحادي الديمقراطي التوفيق في ما يسعون إليه. كان يجمع بيننا اسم في الماضي وشعار عاطفي لا قيمة له في عالم السياسة اليوم، فتيار الوسط الليبرالي قادر على المضي قدما باسم الحركة الاتحادية أو الرجوع لمنصة الانطلاق للحزب الأم (الوطني الاتحادي) الذي تمت الانتصارات الوطنية الكبرى تحت اسمه. أبناء مولانا لا أعرفهم، ولا أعتقد أنهم يستطيعون الخروج من عباءة الوالد، الوحيد الذي أرى أنه يشق طريقا يمكن أن نسقط عليه معايير السياسة هو ابن عمهم إبراهيم الميرغني الذي يمكن التعامل معه كسياسي بحكم النشأة والتربية.
* حزب الدقير الذي انسلخت منه بات حسب رأي المراقبين مجرد تابع للنظام هل يشعر قيادات الحزب بذلك؟، واين تكمن خطيئة الإخفاق في تنفيذ مبادرة الشريف زين العابدين الهندي التي كنت جزءا منها..؟
- ما يهمني هو الجزء الثاني من السؤال. المبادرة ماتت موتا إكلينيكيا يوم اشتراك الحزب في الحكومة في عام 2001 دون برنامج تحكمه آليات قياس وتقويم أو شروط، وكان هذا بحياة الشريف وكان هذا رأيه الذي صرح به للعشرات من أصفيائه الخلص، وماتت موتا بيولوجيا عندما تولى أمرها من كانوا ضدها وغلاة الناقدين لها. رحم الله الشريف ورحم الله المبادرة.
* كثيرا ما ابتدأ مضوي الترابي محاضراته العلمية واستدل في ندواته السياسية بأبيات من الشعر الشعبي والدوبيت هل مازلت على عهدك بقراءة التراث؟ وهل تكتب الشعر..؟
- تنتمي والدتي للشكرية السناب والعدلاناب وهم عرب بادية فصحاء بلغاء وشعراء فحول وعشاق للحسان والصيد والأرض، أرباب السيف والقلم وشيم الفروسية ولا شك أني متأثر بخؤولتي وأبناء خؤولتي، راوية وحافظ لشعرهم وتراثهم لكني لا أقرض الشعر مثل معظمهم. وأنتمي إلى آل الترابي وهم لا يقلون عنهم فصاحة وبلاغة، هم رجال علم ومتصوفة، ورجال حكم وإدارة ومآثر محفوظة في الكرم والشجاعة منذ السلطنة الزرقاء في القرن السابع عشر الميلادي (وأنا غنيت للولد…. الإسمو النعيم ود حمد)
* حسب ما أعلم أنك متزوج من أجنبية، كيف تبدو حياتك الاجتماعية سودانية صرفة أم فيها بعض الثقافة الغربية..؟
- المعلومة قديمة بعض الشيء، زوجتي الأولى ووالدة ابنتي البكر هندا، هي إيطالية فرنسية والابنة الوحيدة للدون برونو كازالي، وأخبرني دون كازالي يوما ما بأن جذور عائلته في صقلية بها دماء عربية وكازالى هي تحريف لكلمة الغزالي والصقالبة اختلطوا بالعرب والمسلمين وحاربوا وتمازجوا معهم ومن منا لا يذكر جوهر الصقلي أحد رموز التنوع في الإسلام مثله مثل سلمان الفارسي وصهيب الرومي وبلال الحبشي، ومحمد بن عبد الله القرشي عليه الصلاة والسلام؟. وهي سيدة فاضلة محبة للسودان وأهله واندمجت بسرعة في مجتمعه وخلقت لنفسها علاقات وصداقات وسط أسرتنا الكبيرة الممتدة وخارج إطار قوس علاقاتي أنا الشخصية. لكن أراد الله أن لا تستمر هذه الزيجة ولكن بقيت هند بيننا (شكرية بديرية صقلية فرنسية) تحصلت على البكالريوس والماجستير في جامعة السوربون الباريسية في العلاقات الدولية وإدارة الأعمال، وتعمل حاليا في مؤسسة مالية فرنسية ضخمة كمدير لتطوير الأعمال في الشرق الأوسط وتتنقل بين باريس ودبي وجنيف. زوجتى الثانية سودانية وناشطة سياسية وقانونية معروفة هي السيدة خضراء عباس كروم، وهي أم لأبنائي الآخرين، ورغم أنهم ولدوا بالخارج إلا أنهم زاروا معي أغلب حواضر ومجاهل السودان في الفترة (2005 – 2010) من دارفور لجبال النوبة، للنيل الأزرق لشرق السودان والقضارف، والشمال البعيد والقريب حيث أهل والدتهم. وثقافتهم كما هي ثقافتي لا تخلو من لمسة كوكبية، تعتمد قبول الآخر والتعامل معه بما هو عليه (ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة..) صدق الله العظيم.
* أين تقيم وأسرتك الآن..؟
في الفترة 2005 – 2010 كنا نقيم بالسودان وهي الفترة التي أردت أن يكون فيها أبنائي الرصيد اللغوي، والوجدان السوداني وقد نجحوا في هذا والكل يشهد بأنهم كانوا معي حضورا في شنقل طوباي وبان جديد والجنينة وأدري ونيالا في دارفور، إلى سلبيل والكرمك وقيسان في النيل الأزرق، والدلنج وإنقاركو وكادوقلى في جبال النوبة الغربية وكل الجبال الشرقية، وغيرها.. لكن عندما رأيت أن مشروع الإصلاح والتحول الديمقراطي والوحدة كلها سقطت، واشتد علي المرض، نقلت عائلتي إلى منفاي الاختياري القديم الذي عشت فيه جزءا من سنين نميري والجزء الأول من سنين الإنقاذ بعد خروجي من السجن والمعتقلات، وها أنا أعود ليكمل أبنائي تعليمهم ولكني بالداخل موجود مع مقاومة الركود وعدم الاستسلام.
من ضواحي الجزيرة وتفتيش ود الترابي إلى مدينة الضباب، أين يسكن قلب مضوي الترابي..؟
- يسكن قلب مضوي الترابي بين جوانحه !!!
ألم تمل من الغربة بعد..؟
- وهل كان لي خيار في كل هذه المنافي في قارات العالم الخمس؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.