نظرياً ووفقاً لاتفاقية بريتون وودز التي أنشئت بموجبها مؤسسات التمويل الدولية كصندوق النقد الدولي والبنك الدولي الذي يعد ملكاً لأعضائه ال 184 والذي من المفترض أن يكون التصويت متكافئاً والإدارة مشتركة بين هؤلاء الأعضاء حتى تكون لهذا البنك مصداقية وتأثير. إلا أن الواقع يشير إلى أن البنك الدولي تهيمن على قراراته الدول الصناعية الغنية خاصة الولاياتالمتحدةالأمريكية، وهذه الهيمنة تفقد هذه المنظمة مصداقيتها لأنها لا تخضع لمفاهيم الديمقراطية والشفافية والعدالة التي تنادي بها الدول الكبرى وتسعى لنشرها في العالم من أجل تعميق الإزدهار والإستقرار العالميين كما تردد دائماً. فعلى سبيل المثال اتخذت سياسات الإقراض للدول النامية أشكالاً وشروطاً لا تعكس إلا مزيداً من الإفقار والتبعية الدائمة لدول بعينها مما كان له انعكاسات سلبية على أداء البنك الدولي لأن كثير من نفقات إدارة البنك وتوظيف العاملين فيه تعتمد على حجم عوائد القروض المقدمة للدول النامية ذات الدخل المتوسط والدول ذات الحجم الإقتصادي الكبير كالهند والصين. تناقضات الفكر التنموي والواقع السياسي كما تأثرت سياسات البنك الدولي تجاه الدول النامية منذ تأسيسه بتطور الفكر التنموي في الجامعات الغربية وبالواقع السياسي للدول الغربية وكانت الدول النامية بمثابة الطرف المتلقي للأفكار والنظريات إضافة إلى المساعدات والقروض، ولم يكن لدي الدول النامية أي اعتراض على أن تستفيد من الدول الغربية المتقدمة كما استفادت هذه الأخيرة من حضارات الشرق في فترة سابقة. لكن أن تتحول الدول النامية إلى ميدان تجارب للفكر الغربي بغثه وثمينه من غير فهم لمعطيات الدول النامية وخصوصياتها التي تعني أن بعض السياسات التي نجحت في بعض الدول الغربية قد لا تنجح بالضرورة في ظل معطيات الدول النامية بسبب خصوصياتها المختلفة وهذا ما حصل فعلاً ولازال في علاقة البنك الدولي بالدول النامية وجزء كبير من هذه الدول هي دولا إسلامية فهو المرفوض. أرقام خيالية لا تقدم ولا تؤخر وفي كل عام يعلن البنك الدولي عن إجمالي مساعداته للدول النامية غير واضعاً كل هذه الاعتبارات في الأساس فمنذ أيام أعلن البنك الدولي أنه قدم مساعدات للبلدان النامية بقيمة 61 مليار دولار في السنة المالية المنتهية في يونيو 2014، مقابل 52.6 مليار دولار في السنة المالية 2012/ 2013، أي بزيادة نسبتها 15.9%. وقال البنك الدولي في بيان له، إنه قدم نحو 963 قرضا ومنحة واستثمارا في حصص رأس المال، وضمانا لتعزيز النمو الاقتصادي ومحاربة الفقر ومساعدة الشركات الخاصة خلال السنة المالية 2014 (1 يوليو 2013- 30 يونيو 2014( وجاء في البيان أن البنك الدولي قدم موارد تمويلية لمشاريع البنية التحتية، بنحو 24 مليار دولار تقريبا في السنة المالية 2014، كما زاد حجم المساندة التي قدمها البنك الدولي للإنشاء والتعمير إلى 19.4 مليار دولار، بما يشكل 47 % من مجموع ارتباطات المؤسستين خلال السنة المالية 2014. كما ارتفع حجم ارتباطات البنك الدولي للإنشاء والتعمير إلى 18.6 مليار دولار مقابل 15.2 مليار في السنة المالية 2012/2013، ويوفر البنك الدولي للإنشاء والتعمير التمويل ومنتجات إدارة المخاطر وغيرها من الخدمات المالية للبلدان الأعضاء، بالإضافة لارتفاع حجم ارتباطات المؤسسة الدولية للتنمية إلى مستوى قياسي بلغ 22.2 مليار دولار في السنة المالية 2014 مقابل 16.3 مليار في السنة المالية السابقة. وزاد مجموع القروض من البنك الدولي والمؤسسة الدولية للتنمية في السنة المالية 2014 بنسبة 65 % عما كان عليه قبل الأزمة، مع زيادة الارتباطات 16 مليار دولار عن مستواها في السنة المالية 2007. وتجاوزت استثمارات مؤسسة التمويل الدولية 22 مليار دولار من بينها أموال تم تعبئتها من مستثمرين آخرين، بما في ذلك 17 مليار دولار من الارتباطات التي قدمتها المؤسسة من حسابها الخاص، وأيضا أكثر من 5 مليارات دولار تم تعبئتها من مستثمرين آخرين، وساندت هذه الاستثمارات نحو 600 مشروع حول العالم. ومؤسسة التمويل الدولية، أكبر مؤسسة إنمائية عالمية يقتصر تركيزها على القطاع الخاص، وتقدم مساندة قوية للشركات في البلدان النامية، وتعبئة قوة القطاع الخاص لتهيئة فرص العمل والتصدي لأكبر التحديات الإنمائية في العالم. وقدمت الوكالة الدولية لضمان الاستثمار، ذراع البنك الدولي المعنية بتأمين المخاطر السياسية وتعزيز الائتمان، مستوى قياسيا من الضمانات الجديدة بلغ حجمها 3.2 مليار دولار في السنة المالية 2014. سياسات محددة لا تقدم جديداً بعيداً عن كل هذه الأ{قام سالفة الذكر، فإن البنك الدولي عندما انتقل من مهمة إعمار أوروبا واليابان بعد الحرب العالمية الثانية إلى مهمة تنمية الدول النامية التي كانت مستعمرات سابقة لم تكن لديه تصورات خاصة بواقع الدول النامية وما إذا كان نظام السوق فاعلا أو كافيا لتحقيق التنمية أم أن هناك ضرورة لتدخل الدولة بدرجة أكبر لتكملة دور السوق ولإزالة المعوقات التي تعترض عمله. بل إن كل ما كان لدى البنك الدولي هي مرتكزات النظرية الكلاسيكية الجديدة ذلك بالإضافة إلى بعض نظريات الحداثه التي كانت ترى أن الدول النامية إذا استوعبت تجارب الغرب بخيرها وشرها فإنها ستجد نفسها على نفس المسار التنموي للمجتمعات الغربية. وقد شجع هذا التوجه تخرج عددا لا بأس به من اقتصاديي الدول النامية من الجامعات الغربية وقد عادوا وهم متفائلون بأن ما حدث في المجتمعات الغربية سيتكرر في دولهم إذا سلكت نفس المسار وأخذت بنظام السوق . وتجاهل هؤلاء تجارب التاريخ التي تشير إلى أن تدخل الدولة الذي ينهى عنه البنك الدولي اليوم كان هو السبب الأساسي في تقدم كل الدول الصناعية السابقة واللاحقة.