لم تُعلن النتائج النهائية للانتخابات التشريعية والرئاسية التي جرت في السودان مؤخراً, والتي يتوقع اعلانها , لكن الجدل حولها لم يتوقف وبخاصة بين الحزب الحاكم ورئيسه الجنرال البشير, المرشّح لولاية اخرى والمؤكد فوزه في الانتخابات , حيث أقرّ كثيرون في الداخل والخارج, أنها شهدت عزوفاً جماهيرياً واسعاً, ليس فقط بفعل مقاطعة احزاب المعارضة التي رفعت شعار «إرْحَلْ» في وجه البشير, و»قاطِعْ» في دعوة للمواطن السوداني لعدم الذهاب الى صناديق الاقتراع, وانما ايضاً لأن قطاعات شعبية عديدة وعلى رأسها الشباب, رأوا في ما يجري استمراراً لعبثية سُلطوية سياسية وحزبية, لم تُسهم في حل مشكلاتهم أو تضع حلولاً وجداول زمنية لأزماتهم الممتدة, من بطالة وتهميش وإفقار, فضلاً عن استمرار معارك «النخبة» للفوز بكعكة السلطة كاملة أو بعض منها, فيما يَدفع الجمهور السوداني الاثمان والاكلاف من عرقه وصحته ومستقبل أطفاله, محمولاً على فقر وقمع وحروب داخلية لا تنتهي, ونزاعات وصراعات انهكت السودان والسودانيين وأوصلتهم الى ادنى قائمة دول العالم, في الدخل و»السعادة» والتعليم والطبابة والافتقار الى الخدمات الاساسية والمرافق والبنى التحتية المتهالكة اصلاً. ما علينا.. يستعد السودان (أي سودان؟) للاحتفال بفوز الجنرال عمر البشير على أكثر من «دزينة» من المنافسين المغمورين وغير المعروفين لدى الجمهور السوداني, بل والطارئين على المشهد السياسي والحزبي, رغم ان ثلاثة منهم اعلنوا انسحابهم اثناء فترة الاقتراع, شاكين التزوير والتدخّل وغياب الشفافية ووضع أجهزة الدولة ومؤسساتها في خدمة الحزب الحاكم (المؤتمر الوطني) ورئيسه المُرشح, الذي يبدو انه ينافس نفسه, تماماً كما ينافس مرشحو الحزب الحاكم أنفسهم, وهو ما ستُظهره النتائج النهائية بعد ثلاثة ايام, وإن كانت نسبة تأييد الجنرال لن تصل الى تخوم الثلاث تسعات, كذلك لن «يُسمح» لمرشحي الحزب الحاكم بحصد «كل» مقاعد البرلمان, بل سيتم توزيع «بعض» الفتات على «بعض» الاحزاب ال»44» التي قيل انها نافست الحزب الحاكم, وهو ما اعتبره الجنرال البشير علامة ودليلاً على أن الانتخابات كانت «ديمقراطية ونزيهة وشفافة» باعتراف «كل» المراقبين, على ما قال البشير يوم امس في معرض استهتاره بمواقف دول الترويكا (الولاياتالمتحدة, بريطانيا والنرويج), وبعض الجهات الدولية تجاه الانتخابات البرلمانية والرئاسية التي جرت, مؤكداً (البشير) ان هذه المواقف السلبية لن «تؤثر» على الديمقراطية ومسيرة الحوار في البلاد, بعد أن شهدت تنافس 44 حزباً. هل قال مسيرة الحوار الوطني؟ نعم، لكنه حوار مع مَنْ؟ هل مع ال 44 حزباً كرتونياً تم استيلادها عشية الانتخابات, بعد ان اعلنت احزاب المعارضة الرئيسية مقاطعتها للحوار (قبل الانتخابات التي طالبت بتأجيلها كي يتم تشكيل حكومة وحدة وطنية تقوم هي بالاعداد للانتخابات وضمان نزاهتها وشفافيتها, لكن الحزب الحاكم رفض ومضى في خطته التي تُوّجت بالانتخابات الاخيرة)، ثم لاحقاً للانتخابات؟ على النحو الذي شاهده المجتمع السوداني كما الاطراف الاقليمية والدولية المعنية بالحال السودانية. احزاب المعارضة إذاً خارج «صورة» الحوار العتيد الذي يدعو اليه الحزب الحاكم، بل إنها وجدت في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التي جرت مؤخراً, فرصة أمامها (قوى المعارضة) للتخطيط لاسقاط البشير عبر حملة «إرْحَل» التي دشنتها في شباط الماضي على ما قال الصادق المهدي رئيس حزب الأمة القومي (وهو اكبر احزاب المعارضة بالمناسبة)، واضعاً مُهلة زمنية تصل الى شهر في حدّها الاقصى امام القوى السياسية المعارضة, للالتقاء بهدف وضع خارطة طريق لمستقبل ما بعد «القضاء» على نظام البشير (والقول ما يزال للمهدي) حيث وَضَعَ الجنرال امام خيارين لا ثالث لهما, إما القبول بمخرج آمن أو المثول امام المحكمة الجنائية الدولية؟ فهل ثمة ما يدعو للتفاؤل بأن المعارضة قادرة على اطاحة البشير؟ التجارب التي عاشها السودان منذ وصول البشير الى الحكم قبل نحو من 26 عاماً (30 حزيران 1989)، تشي بأن المعارضة السودانية بكافة تلاوينها وايديولوجيتها هي عدوة نفسها اكثر مما هي عدوة او حتى خصم لنظام البشير، ما بالك ان الخلافات بينها أصعب من ان يتم جسرها او التوافق حول المشتركات الوطنية، وخصوصاً في إضعاف (وليس اسقاط) النظام الذي كلما بدا انه على وشك السقوط، نهض من بين المعارضة نفسها من يَمُد له حبل النجاة, كما فعل حسن الترابي اكثر من مرة، وكما فعل الصادق المهدي نفسه. أياً كانت صحة الانتقادات بأن الانتخابات كانت «مطبوخة» سلفاً, او أن نظام البشير يعيد انتاج نفسه على شكل اسوأ كل مرة، فإن السودان دخل مرحلة جديدة من المبكر التكهن عن المدى والمدة التي تحتاجها المعارضة كي تحقق اهدافها الجديدة/ القديمة. [email protected]