لم يجب أحد على السؤال الذي لم يجرؤ أحد على طرحه وذلك لحساسية موضوعه بالرغم من أن ذلك الموضوع كان ولا يزال يتعلق بمصير شعوب، قدر لها أن تكون مسلمة في عالم يعج بالعقائد، السماوية والوضعية. لماذا الاسلام حسب شعار بعض الجماعات كان هو الحل؟ كان يمكن أن يكون ذلك السؤال سابقا لسؤالنا "لماذا الاسلام ليس هو الحل؟" الاسلام مثل سواه من الاديان هو فضاء يقيم فيه الفرد بطريقة مطلقة، طريقة قد تجمعه ببشر تفرق بينه وبينهم سبل العيش وطرق التفكير في الحياة. غير أن القول على سبيل المثال بإسلام "مصري أو سعودي" وآخر "ايراني أو باكستاني أو أندونسي" لا يعني أن هناك اسلامات عديدة بقدر ما يشير إلى امكانية العقيدة على التأقلم في ظروف إنسانية تمزج بين ما هو روحي وما هو مادي بطريقة متوازنة، بالمعنى الذي يضع العقيدة في متناول الاستعمال اليومي، بدلا من أن تبقى محلقة في مكان مغلق على نفسه. العقائد إن هي واقعية ناجحة فإنها تشبه الماء حين يأخذ شكل الإناء الذي يسكب فيه. لا عقيدة يمكنها أن تقاوم قوة الزمن إن لم تمتزج بالعادات والتقاليد والمرويات الشعبية والأفكار والطقوس السابقة لها. ولهذا السبب يمتزج ما هو ثابت من أصول العقيدة بما هو متغير من طرق لتصريف شؤون الحياة اليومية، فلا يقع صدام بينهما إلا في حالة الانفصال عن الواقع والنظر إلى العقيدة بإعتبارها حجرا لا يُمس لئلا يُثلم، وهو ما أدى في غير مكان وزمان إلى التطرف والتعصب والتشدد. في حقيقتهم فإن حملة شعار "الاسلام هو الحل" يسعون إلى تبرير صورة العقيدة كما رسموها عن الواقع عن طريق ما يسمونه بالعودة إلى الاسلام الصحيح. وهو اسلام منفصل عن الزمن، ثابت في زمان ومكان يقعان خارج التاريخ. ومثلما كان الصدام مع المجتمع محتما فإن الصدام مع الإسلام العفوي كان هو الآخر محتما. لذلك علا صوت التكفير، تكفير المسلم الذي يمارس طقوسه الدينية ويعيش حياته اليومية بطريقة تلقائية، يضع من خلالها كل شيء في مكانه المناسب. لقد أثقل المتطرفون والمتشددون الإسلام بأفكارهم المغلقة على نفسها فجردوه من قدرته على الانفتاح على الحياة بكل ما تنطوي عليه من مسرات وتعاسات، هما طرفا معادلة، كانت دائما مصدرا لإنسانية مترفعة ونزيهة وطموحة في تهذيب أخلاقياتها التي هي من صنع البشر أنفسهم. وإذا ما أردنا الصراحة فإن ذلك الشعار لم يكن إلا واجهة لمشروع سياسي، لا علاقة له بالإسلام دينا ولا صلة له بتطلعات الناس إلى حياة رخية يغمرها الخير بنعمته ويسودها السلام ويكون الإنصاف فيها معيارا للحكم ويسعى الإنسان من خلالها إلى أن يترك أثرا طيبا منه. كانت عاطفة الناس الدينية على قدر هائل من الاسترخاء فإذا بحملة الرايات السوداء يطعنون تلك العاطفة بحرابهم المسمومة، فكان العنف مؤشرا لمسعى ظلامي لتدمير تلك العاطفة. لقد قيل الكثير عن عدم تدين الارهابين الذين قرروا اعادة تأهيل مجتمعاتنا اسلاميا، غير أن ما صار مؤكدا بحكم الواقع أن فكر وسلوك الجماعات والتنظيمات التي قرنت الاسلام بالارهاب لا يفصحان عن حرص على الإسلام عقيدة تجمع ولا تفرق ولا عن تعفف عن الاساءة إلى المسلمين وصولا إلى قتلهم. فعلى سبيل المثال فإن الإسلام كان بالنسبة لجماعة الاخوان المسلمين سلما للوصول إلى السلطة التي ما أن فقدوها حتى بدأوا حربهم المسعورة على المجتمع. اما في العراق فإن حزب الدعوة الاسلامي الذي يحكم منذ تسع سنوات كان قد نجح في الوصول بالعراق إلى المرتبة الاولى في قائمة الدول الفاسدة. الوقائع تقول أن دعاة الاسلام السياسي ما هم إلا قتلة ولصوص. اما شعارهم فلم يكن إلا كذبة أرادوا من خلالها أن يغطوا على وحشيتهم وفجورهم.