الفقران ياكل بي عينو.. و الغنيان ياكل بي جيبو! لو كان الفقر رجلاً لقتله سيدنا علي الكرار.. و لكنه ليس رجلاً، بل آفة بلا رقبة تُقطع و لا جسم يُطعن.. آفة نجا منها، بفعل التمكين، منتسبو انقلاب الانقاذ بمؤتمرَيه ( الوطني) افتئاتاً و ( الشعبي) ازدراءً.. فالأول ليس ( وطنياً) في ممارساته داخل و خارج الوطن.. و ال( شعبي) يزدري بالشعب فهو، في تطلعاته نحو تحقيق ( الأنا) السفلى بمحاولات ( التوالي) و ( الخالف)، يخالف تطلعات الشعب.. الشعب المتطلع لكنس كل من خلف رِجلاً على رجل و هو يشاهد الشعب يموت بالقذائف والجوع و العطش و المرض في الغرب و في الجنوب الجديد.. و كل من يتفرج على الشباب يموت غرقاً في البحر الأبيض المتوسط.. و لا يكترث بشباب يقضي عطشاً مميتاً في الصحراء الكبرى.. الراهن في السوق السوداني تعبر عنه جملة: ( الفقران ياكل بي عينو.. و الغنيان ياكل بي جيبو!..).. إنها جملة كان يرددها الباعة في موسم المولد النبوي الشريف بمدينة واو عاصمة بحرالغزال.. فقد كانت حلويات المولد تغري من يمر بأماكن عرضها في ميدان المولد أيام كانت الدنيا بلا زيف أخوان الشيطان.. و لا يحزنون.. و لم يكن ( الفقر) أيامها مزاحماً للشعب السوداني.. حيث كان جلُّ الشعب بعيداً عن ( خطِّ الفقر) بشكل ما.. فالدولة كانت تُيَسِّر للكل أن ( ينتج) إنتاجاً ما.. فكان بمقدور كل أب أن يسعد طفله بشيئ من (حلاوة المولد).. و أن يفرح كل طفلة بتأبط ( عروس مولد) بوزنٍ ما.. كانت الدولة دولة رعاية.. و كان الكل راعٍ و مسئول عن رعيته.. لكن " …نحن الزمن غير ملامحنا و بقينا أنحنا ما نحنا!" فقد جاءت دولة الجباية بكل جشعها الأفعواني.. و صيرت ( قفة الملاح ليست من شأن الحكومة..) و انحصر شأنها في فرض الجبايات على ( الفقراء و المساكين و أبناء السبيل..) وعلى كل من و ما يمشي على الأرض داخل المدن.. و عبر الولايات و المحليات.. و اجتهدت في إثراء ( العاملين عليها) ليجتهدوا في ديوان ( منع الزكاة) عن السريان في مصارفها.. بينما ( الغارمون) يسترجعون الذكريات في السجون و يحلمون بالفرج.. و اجتهدت في رفع أجور جباة الرسوم و تحفيزهم ليتعدى رقم السلع و الخدمات ( الوهم) القابلة للجباية 36 ألف (رسم) كلها في عداد الوهم (الانكشاري) المرسوم لتغذية الوهم ( الاداري) المتنامي في كل المدن و المحليات.. و الولايات.. و مجلس الوزراء.. و رئاسة جمهورية الدولة الفاشلة.. لم يعد المزارع يفلح الأرض.. و حتى الأشجار المنتِجة فكر المزارعون في قطعها لأن ريعها يذهب: ( تِلتو للطير و تلتو للبشير و أخوان البشير و تلتو للتنابلة و القنابير..) و المزارع يطير للسجن ل(حين السداد) مع بعض التجار الحقيقيين.. و زمرة ( الغارمين) من تجار الوهم و الخنازير.. المصارف ( الاسلامية) تمنح قروضاً ( تربو) ربويتها المستترة على ربوية المصارف الربوية الظاهرة.. فتزداد سعة و يزداد الجنيه تقلصاً أمام الدولار.. و السعة تأتي تلك المصارف ريعاً بحجز أملاك ضحاياها من الغارمين.. لا أحد من ( الجماعة) يمكث في أي سجن سوى ( مسافة التلفون).. و غالباً ما يكون ( القرض حسن)لهم.. لا أرباح و لا ضمان عقار و لا بقاء لحين السداد.. أما غيرهم فعليهم قرض شراكة أو قرض مرابحة.. و على المقترض أن يكون ( ذا مال) أو ذا ( عقار).. و أن ( يقبض) المصرف من العميل المقترض قسطاً مقدماً.. قبل أن بدء تنفيذ المشروع .. كل شيئ ميسر للجماعة: المصارف تمنحهم مالاً نفداً.. الأراضي تعطيهم عيناً مواقع ( مميزة).. كثيرون و كثيرون جداً منهم إرتقوا إلى قمم الغنى و اليسر.. و أغلبية الشعب السوداني إنحدروا إلى قاع العسر.. و " و لا توجد منطقة و سطى" بيننا و بينهم.. فتذهب إلى أحد ( المولات) لترى بأم عينيك الثراء الفاحش.. و كأنك في ( مانهاتن).. و تذهب إلى سوق أم دفسو لتتأكد أن إنسان السودان في الحضيض تحت خط الفقر.. لا توجد منطقة وسطى أبداً.. و الفحش في المال يملأ أماكن لا يدخلها سوى مستجدي النعمة ( هؤلاء).. و كل البذِخ يهرول إلى فارهاتهم لينعم بالدفء شتاءً و بالنسمات صيفاً.. حتى أعراسهم ينعم فيها اللؤلؤ و المرجان.. و صواني الذهب .. و يقتلوننا بالجبايات.. الجباية عندهم مقدمة على الرعاية.. لا رعاهم الله.. " حاجة آمنة اتصبري!.. عارف الوجع في الجوف شديد وعارفك كمان ما بتقدري!" فاتورة الموية شبكوها مع فاتورة الكهربا.. تقومي تدفعي الاتنين ( مقدماً) و ما تجيك لا موية و لا كهربا.. .." حاجة آمنة اتصبري!..".. و نائب في البرلمان يعترف إنو الفساد ملأ البلد.. و يهدد الفاسدين بالعذاب يوم القيامة! النائب ده أكيد واحد من ( نوائب) هذا البلد المفجوع بالمتسلقين و المتسلقات على رقاب الشعب السوداني المسكين .. "..حاجة آمنة اتصبري!.. عارف الوجع في الجوف شديد شديد شديد و عارفك كمان ما بتقدري!" لكن عيالك بقدرو.. أيها الفتى.. أيتها الفتاة، هلموا إلى العصيان المدني، يرحمكم الله، خلِّصوا حاجة آمنة.. و خلونا نحن الجيل الفاشل نمدكم بالمؤن، إن دعا الداعي..!