أمير تاج السر من الروائيين المتميزين.. والذي تُرجمت رواياته الى عدة لغات.. وهو على الرغم من أنه سوداني، إلا انه يطرح قضايا توشك ان تكون عربية شائكة.. تهم كل العالم العربي. هكذا قُدم الروائى السوداني الدكتور امير تاج السر لبرنامج ( في حضرة الكتاب).. والذي تأسست حلقاته في اعقاب قيام معرض الشارقة للكتاب العالمي.. وكان الرواء السوداني من ضمن الذين تم تكريمهم في هذا المهرجان في شارقة الادب.. والتي تعج بحراك ثقافي لا ينتهي.. ولا غرو، فرأس الإمارة هو اديب ودكتور (سلطان محمد القاسمي). إبتدر الروائي الدكتور تاج السر حديثه فقال: إن اقتحامه لمجال الرواية جاء بترغيب من احد الكتاب العرب الذي دعاه الى تعاطي العمل الروائي، مشجعآً له بالقول ( شعرك فيه حكي كتير)، وكانت بداياته الاولى شاعراً غنائياً.. ومادحاً.. تغنى له الفنانون والمنشدون. وبقومية الكاتب التي اكسبها له (واقع العمل الروائي) الذي يطرح الكاتب في مؤازرة رجل الأمن، وإشارة (الناقد) صبري الحافظ (مايسترو الجلسة)، يؤمن تاج السر بدوره على قدرة الكاتب فعلاً على التنبؤ واستشراف المستقبل.. قبل وقوع احداثه.. لما يتمتع به الكاتب من شفافية. وهو بهذا يجيب على سؤال الاخوة المشاركين في الحلقة، وهم الشاعر الاماراتي علي السقار والروائية الخليجية سارة الجروّان بجانب مقدم البرنامج. وثلاثتهم أدباء يجري الادب في دمائهم، يُجيب على تساؤلهم عن دور الرواية في التنبؤ.. والرسالة التي يوجهها للمجتمع.. وعما اذا كان الادب للادب.. أم انه انعكاس لحياة المجتمعات، يؤسس في النهاية لمستقبل ونهايات محسوبة.. كما ذكر الناقد صبري الحافظ (استاذ الادب المقارن)، بأن الاديب عند كتابته للواقع، فإنه يتجاوز الواقع الظاهر ويدلف للبنية التحتية في مسارها وصيرورتها.. ضارباً المثل بمطالب اهل مصر الآن بحل جهاز أمن الدولة الذي هو جهاز معيب ( مهلهل) هلى حد قوله، ليُعقِّب الروائي تاج السر وهو لا يخفي دهشته بأن رواياته فعلاً حملت قبلاً هذا التنبؤ. كما حسم الجدل الدائر عما اذا كان في مكنة (الروائي) العبور الى المنظوم.. أى إمكانية الاستخدام على ورقة الرواية وورقة الشعر، أم ان الامر يحتاج لقنطرة.. كما قال الحاضرون. فتاج السر الذي يرى في الجمع بأكثر من حرفه، أمرا من قبيل النجابة، يعود ليؤكد ان كاتب الرواية أمامه صعوبات ليصبح شاعراً ويضيف ان تاج السر نفسه قد عمل في تطويع الشعر في خدمة النص الروائى. كما قال ان رواياته تعتمد على السرد.. وان لجوءه للمقاطع الشعرية لا يتم إلا بمقتضى الأهمية والحاجة الشديدة.. وهذا ( على فكرة) أمر اوجد له (الناقد) صبري الحافظ تكييفاً معيناً. من المحاور التي تناولها هذا اللقاء حركة الترجمة ودورها في خروج النصوص العربية الى العالمية، متطرقين الى الانفراجات التي حدثت في هذا الجانب وانفتاح الترجمة على الادب العربي الحديث في المجال القصصي، حيث نشهد الآن ترجمة روايات تاج السر الى عدة لغات والذي قدم استقصاءً يستحق النظر فيه كما قدمه الناقد المصري صبري الحافظ استاذ الادب المقارن. لكن الروائي السوداني الفائز بجائزة معرض الشارقة للكتاب العالمي عن روايته (صائد اليرقات) يعيب على الترجمة تضييعها لكثير من جماليات الكتابة مطالباً بقلب النظرية، أن نترجم نحن للآخر على حدِّ قوله. إلا ان أستاذ الادب لمقارن يُقلل من شأن هذا النقد مشيراً الى ان اللغة هى اقل شيئاً في الرواية، التي اساسها البناء، لتخرج المجموعة مؤكدة على فاعلية هذا المعطى وأهمية الترجمة، بالتالي وإسهامها بصورة كبيرة في تغيير نظرة الغرب الينا بطريقة مختلفة، فيها اريحية.. ليعود ويشاركك كل شيء.. على حد قول (الناقد) صبري الحافظ، والذي قدم تطوراً تاريخياً في هذا المضمار فقال ان الاهتمام في السابق كان منصباً على ترجمة النصوص القديمة. ليقال انه كان للعرب حضارة وانقرضت، لكن بعد حرب 37 وإدراكهم أنه يمكن للعرب استعمال سلاح البترول لمعرفة ماذا يتكلمون.. وماذا يعدون.. وحتى التعسينيات ظلت النصوص المترجمة من اللغة العربية تُعد على اصابع اليد تلا ذلك ترجمة الرواية الافريقية، فظهرت روايات الطيب صالح.. حتى فوز الاديب نجيب محفوظ بجائزة نوبل.. لتتسع حركة الترجمة.. حتى جاء هذا العهد حيث تواجد آلاف المترجمين، فكل شاب يكتب رواية او روايتين تترجم الى عدة لغات. ومن مؤلفات الروائي السوداني (تاج السر) المترجمة، (على سريري ماتت إيفا) والتي دارت احداثها في الغرب، لتعكس علاقتنا المستمرة معه.. وهى علاقة اشكالية، كما قال الشاعر علي السقار. الشاعر الإماراتي علي السقار قال بدوره إن في الواقع الذي تعكسه روايات امير تاج السر مدعاة للحزن لما يحمله هذا الواقع.. فدلفت الروائية سارة الجروان في الحال الى دواخل الروائي السوداني تستنطق تجاربه في العالم الحي، فجاء في معرض رده على تساؤلها عن اسراء الواقع للخيال في روايات الكتب، أنه يكتب واقعاً موازياً للواقع الحقيقي، لينسل بذكاء من مأزق السؤال المفخخ.. والذي يطرح الكاتب بطلاً لرواياته. ثم وُجه للدكتور الروائى سؤلاً حول حادثة جلد احد الصحفيات السودانيات التي ظهرت صورتها في الانترنت لارتدائها السروال الجينز.. وعما اذا كان الكاتب يُكرس لهذا التيار المحافظ في رواياته والمتغلغل في عادات وتقاليد الشعب السوداني! فكان جوابه المباشر ( قد يكون في كتاباتي إمتصاص لحوادث المجتمع، لكنني لم أعن هذه الحادثة بالذات.. ولم تكن في بالي). كذلك تحدث الروائي السوداني عن معاقرته لمجالس الأدباء منذ عهده الباكر.. وكيف كان يلحظ إتسام هذه المجالس بالملامح الاستعلائية لاهلها والذين يقيمون ابراجاً امام المبتدئين.. فلا يؤذن فيها بالمشاركة الفعلية، إلا للكبار من خاصتهم لكنه سرعان ما تبين له ان ما رآه من غطرسة ما هى إلا ملامح كاريكتروية مرسومة، ليلتقط الخيط ميسترو الجلسة الناقد صبري الحافظ مبرئاً ساحة هؤلاء الكبار، إلا انه لا يخليها من القصد تماماً، فيجمل الامر في نقطتين: - الدفاع عن النفس والاحتفاظ بالخصوصية، من جهة أخرى حيث الرغبة في الجلوس مع نوع معين من الاصدقاء، وأنه هو شخصياً تعرض لذات الموقف عندما كان ولداً صغيراً لا يعبأ به أحد، ولا يُدنيه مع حبه لمجالس الادب، فقال:(حتى كتبت في نجيب محفوظ ابو الرواية العربية) وفي ذات السياق يُساند الشاعر علي السقار الدكتور حافظ في هذه النظرة، فيرى في مواقف هؤلاء الكبار حماية لأنفسهم من المتطفلين من رواد مقاهي الادب والفكر. منى عائد