***- مرت اليوم الثلاثاء 30 أغسطس 2016 الذكري التاسعة والاربعين علي انعقاد مؤتمر القمة العربي في الخرطوم، التي انهت اجتماعاتها في الاول من سبتمبر عام 1967، هي القمة التي اعلنت باصرار شديد على التمسك بالثوابت من خلال لاءات ثلاثة (لا صلح ولا اعتراف ولا تفاوض مع العدو الصهيوني) قبل أن يعود الحق لأصحابه. قمة اللاءات الثلاثة أو قمة الخرطوم كانت الرابعة في سلسلة مؤتمرات القمة الخاصة بجامعة الدولة العربية. 2- نشر الزميل صلاح الباشا في صحيفة (الراكوبة) مقالة وصف فيها ما دار خلال هذه الايام، وكتب: كان السودان وقتذاك يترأسه مجلس السيادة السوداني ( رأس الدولة ) برئاسة الزعيم إسماعيل الأزهري ، كما كان يترأس الحكومة رئيس الوزراء محمد أحمد محجوب حيث كان نظام الحكم إئتلافيا بين الحزبين، الإتحادي والأمة ، وقد كانت لهما الغلبة في البرلمان وقتذاك ، حيث كان الإقتراح السوداني يتمثل في دعوة الزعماء العرب جميعهم لمؤتمر قمة يعقد بالخرطوم قبل نهاية أغسطس 1967م وفق خطة كانت ترمي إلي خلق تضامن عربي حقيقي وإنهاء كافة الخلافات ، كمدخل لإيجاد حلول لإنهاء الإحتلال الإسرائيلي للأراضي العربي التي إحتلتها إثر تلك الحرب الخاطفة ، ولمساندة الشقيقة مصر ورئيسها بقوة جماهيرية بائنة ، وهو ماحدث لاحقا عند وصول عبدالناصر لمطار الخرطوم لحضور مؤتمر القمة العربي. ***- وقد طلب الرئيس إسماعيل الأزهري من السيد علي الميرغني الإتصال بالملك فيصل حاثا له بأهمية الحضور ، لأن حضوره لقمة الخرطوم العربية سيمثل قوة دفع عالية لإيجاد الحلول للقضية العربية ، لما للملك شخصيا وللمملكة من أدوار ووزن عربي وإسلامي ودولي ، فضلا علي قوة الوزن الإقتصادي السعودي . وهنا أرسل السيد علي الميرغني نجله السيد أحمد ( رئيس الدولة لاحقا في ابريل 1986م ) والذي إنتقل إلي الرفيق الأعلي في نوفمبر 2008م ، حيث حمله والده الميرغني الكبير رسالة خطية للملك فيصل بهذا الشأن ، وعلي إثرها أكد الملك فيصل حضوره للقمة العربية ، وهبطت طائرته بمدرج مطار الخرطوم بعد دقائق قليلة من وصول طائرة الرئيس جمال عبدالناصر في صباح يوم 28 أغسطس 1967م. ***- وفي ذلك اليوم ، وصل الزعماء العرب إلي مطار الخرطوم ، ولم ينقض النهار إلا وتصل جميع الوفود العربية ، وقد تمت إستضافتها بالفندق الكبير وبفندق السودان ، حيث لم يكن هناك وجودا للفنادق الأجنبية بالخرطوم كالهيلتون والمريديان ، لكن هناك زعماء قد أوفدوا من ينوبون عنهم ، فالرئيس التونسي الحبيب بورقيبة لم يحضر لأنه كان له رأي مسبق أطلقه منذ العام 1965م بأهمية الإعتراف بإسرائيل بشرط أن توافق إسرائيل علي قيام الدولة الفسطينية وفق التقسيم الذي تم في العام 1947م بواسطة الأممالمتحدة ، فهاجمه معظم القادة العرب وقتذاك ، فإنتدب للمؤتمر رئيس وزرائه الباهي الأدغم ، كما أن الملك الليبي إدريس السنوسي إنتدب إبنه الأمير محمد ، كما حضر الأمير الحسن بديلا عن والده الملك محمد الخامس ملك المملكة المغربية ، وكذلك تغيب الرئيس الجزائري العقيد هواري بومدين، حيث أوفد وزير خارجيته وقتذاك عبدالعزيز بوتفليقة وهو الرئيس للجزائر حاليا . وقد حضر كل من الرئيس جمال عبد الناصر والملك فيصل والشيخ صباح السالم الصباح أمير الكويت، والرئيس العراقي عبدالرحمن عارف ، واللبناني شارل الحلو، والسوري نور الدين الأتاسي ، واليمني المشير عبدالله السلال ، والملك حسين بن طلال ملك الأردن ، وقد مثل منظمة التحرير الفلسطينية رئيسها الراحل احمد الشقيري كمراقب والذي خلفه فيما بعد ياسر عرفات في رئاسة المنظمة. ***- وهنا فقد بدأت الجلسة الإفتتاحية الإجرائية في تمام الساعة السادسة مساء يوم 28 اغسطس بكلمة ترحيبية من الرئيس السوداني إسماعيل الأزهري ، ثم بدأت الجلسات طوال أيام 29 و30 و31 أغسطس ، حيث شرح عبدالناصر الموقف المصري بالضبط ، وأيضا تحدث الملك حسين غير أن هناك جهودا خارج الكواليس كانت تتم بين المحجوب والملك فيصل من جانب ومع عبدالناصر من جانب آخر ، حيث كانت الخرطوم تتبني فكرة مقترح الكويت الذي طرحه وزير خارجيتها ببغداد والقاضي بتدبير دعم مالي فوري لمصر والأردن لبناء قدراتها مرة أخري ، وقد تهيأ عبدالناصر للمقترح تماماً ، فقام المحجوب بجمعه مع الملك فيصل في داره بالخرطوم 2 لإنهاء الخلافات بينهما ونجحح في ذلك تماما ، وإنتشر الخبر عبر وكالات الأنباء التي كانت مرابطة حتي المساء المتأخر بدار المحجوب ، وقد أزف الخبر للوكالات والصحف وزير الإعلام وقتها الأستاذ عبدالماجد أبو حسبو المحامي ، وبالتالي قد تم وضع حلول لحرب اليمن يتبناها المحجوب شخصيا لاحقا ً . وهنا فقد كانت أكبر نتيجة إيجابية لمؤتمر الخرطوم هو أنهاء الخلاف التاريخي بين الدولتين الشقيقتين ( مصر والسعودية ) فساعد ذلك في نجاح بقية جلسات القمة العربية وفي قرارتها التي كانت تتم بالإجماع. ***- وقد قيل وقتها أن المحجوب كان قد سأل الفيصل عن مقدار الدعم المالي الذي سوف تقرره السعودية لمصر والأردن ، غير أن الفيصل ذكر له بأنه سوف يفصح عن الرقم من داخل جلسة المؤتمر ، وهنا وعند إنعقاد المؤتمر في جلسته الأخيرة ، بدأت بريطانيا وقتذاك بإطلاق مبادرة بوساطة وزير خارجيتها اللورد كارادون بأن تنسحب إسرائيل إلي حدود ماقبل يونيو1967م مقابل إعتراف العرب بها والدخول في مباحثات معها تحت رعاية الأممالمتحدة ، ما دعا المؤتمرين بالخرطوم بإطلاق اللاءات الثلاثة التي عرف بها المؤتمر حتي لا ينخدع العرب مرة أخري وهي:( لا تفاوض ولا صلاح ولا إعتراف بإسرائيل ) إلا بعد أن تنسحب من الأراضي التي إحتلتها في الخامس من حزيران/يونيو 1967م. ***- أما عن الدعم المالي لدول المواجهة ، فقد قررت السعودية دفع خمسين مليون جنيه إسترليني سنويا ، وتبعتها الكويت التي قررت ثلاثين مليوناً ، فالعراق أربعين مليوناً ، وتبقت الدولة النفطية الأخيرة وهي ( ليبيا) حيث إعتذر موفدها محمد بن إدريس السنوسي بسبب عدم مشورة والده الملك في الأمر ، وهنا فقد أخذه المحجوب للتو إلي مكتب رئيس الجمعية التأسيسية في مقر برلمان الخرطوم الحالي حيث كان مؤتمر القمة يعقد جلساته فيها ، وقام المحجوب بالإتصال هاتفيا بمكتب الملك السنوسي في طرابلس ، حاثاً إبنه الأمير محمد بأخذ موافقة والده الملك إدريس السنوسي بمقررات القمة ، فحدثت إستجابة فورية من الملك السنوسي بدفع ثلاثين مليوناً وبالتالي وصل مجموع الدعم العربي من الدول النفطية الأربعة إلي مائة وخمسين مليون جنيه إسترليني سنويا وهو مبلغ كبير بموازين وظروف إقتصاديات ذلك الزمان. ***- وهنا..وحسب ماذكر المحجوب في كتابه (الديمقراطية في الميزان) الصادر في بيروت في العام 1973م إبان السنوات الأولي لحكم الرئيس نميري ، أن الملك فيصل قد أسر للمحجوب تقديرا لدور السودان في هذا المؤتمر الناجح ، بأنهم سوف يقررون دعما آخراً للسودان بسبب مصاعبه الإقتصادية ، والتي سوف تتعقد أكثر بسبب إغلاق مصر لقناة السويس للملاحة البحرية حيث تتجه السفن التجارية مرة أخري للإبحار عن طريق رأس الرجال الصالح في الجنوب الأفريقي ، وما يترتب علي ذلك من إرتفاع في أجور شحن البضائع التجارية( النولون البحري ) ولكن هنا جاء رد محمد احمد محجوب قاطعا وبكل لطف حيث شكر الملك فيصل ، لكنه رفض أن يستلم السودان أي دعم مالي حتي لا يقال أن السودان يبيع مواقفه العربية بالجهد الذي بذله في هذا التضامن العربي الفريد ، بعد أن راهن الغرب علي تشتت العرب بعد الهزيمة النكراء المباغتة ، وهنا فقد أدمعت عينا الملك الراحل فيصل بن عبد العزيز الذي قدر جداً عزة نفس أهل السودان وكبرياء قيادته الجميل في مثل هذه المواقف الحرجة. -(انتهي ما كتبه الزميل صلاح الباشا)- 3- ***- اليوم الذكري ال49 عامآ علي لاءات الخرطوم التي ما عادت لاءات عربية، وانما قبول علني علي اقامة علاقات دبلوماسية رفيعة مع اسرائيل، والتي بدأتها مصر عام 1978 بعد اتفاقية (كامب ديفيد) بين الرئيس المصري محمد أنور السادات ورئيس وزراء إسرائيل مناحيم بيغن. ثم لحقتها الاردن عام 1994 إضافة إلى موريتانيا التي اعترفت بإسرائيل رسميًّا عام 1999، وهناك دول عربية ما عادت تهتم بالمقاطعة العربية لاسرائيل او تمنع السواح والزوار الاسرائيليين من دخول بلادها. 4- ***- هناك دول عربية سمحت لوفود رياضية اسرائيلية الدخول الي بلادها والمشاركة مع الفرق الاخري، او الاشتراك في المعارض التجارية والصناعية. 5- ***- السودان في زمن البشير اصبح يهتم بموضوع التطبيع الذي اصبح واحدة من الاقتراحات التي تمت في الحوار، ونشرت الصحف المحلية تصريحات بعض المسؤولين الكبار في الحزب الحاكم الذين لم يعترضوا علي التطبيع مع اسرائيل، كان وزير الخارجية غندور من بين الذين لم يعترضوا علي اقامة علاقات دبلوماسية مع اسرائيل. 6- ***- اخر احصائية صدرت من وزارة الداخلية الاسرائيلية عام 2015، ان عدد السودانيين الذين يقيمون في اسرائيل قد وصل عددهم الي 6 ألف سوداني اغلبهم لاجئيين وبعضهم ممن يحملون مؤهلات عالية حصلوا علي اقامات رسمية، وتم توظيفهم كمعلمين لغة انجليزية في المدارس، وثلاثة حصلوا علي الجنسية الاسرائيلية، وثلاثة رياضيين يلعبون في فرق اسرائيل لكرة القدم، وواحد شارك في بطولة عالمية في سباق الجري. 7- ***- لا توجد احصائية بعدد السودانيين الذين اغتيلوا برصاص الجنود المصريين اثناء محاولة اجتيازهم الحدود المصرية- الاسرائيلية خلال العشرة اعوام الماضية، ولكن احصائية تقريبية صدرت من احدي المنظمات ان عدد القتلي اكثر من 27 قتيل. 8- ***- بالله من يصدق ان عدد السودانيين في اسرائيل اكثر من عدد سكان قري كثيرة في السودان، هجروها الرجال والشباب ونزحوا الي المدن الكبيرة….او الي اسرائيل؟!! [email protected]