فقه الاجرام الدكتور محمد شحرور أعدمت جماعات متشددة مرتبطة بداعش في سوريا إمرأة أم لخمسة أطفال، لقولها لأحد أولادها "يلعن غيمك"، ووجهت لها تهمة الارتداد عن الإسلام، وأصدرت هذه الجماعات لائحة بأقوال تخرج المسلم من الدين وتوقع عليه حد الردة. ومن يطلع على أمهات الكتب في دين الفقهاء لا يجد ما فعله هؤلاء المجرمون مستنكراً، وهذا نص من فتوى لأحد الشيوخ: "سب الدين، سب الإسلام كفر أكبر وردة عن الإسلام عند جميع العلماء، ما فيه خلاف، ذكروا هذا في باب حكم المرتد، من سب الله، أو سب الرسول -صلى الله عليه وسلم-، أو سب بعض الرسل غير محمد -صلى الله عليه وسلم- كأن يسب نوح، أو هود، أو آدم، أو غيرهم من الرسل والأنبياء كفر بإجماع المسلمين، وهكذا إذا سب الإسلام، سب دين الإسلام، أو استهزأ به يكون كافراً عند جميع أهل العلم؛ لقول الله تعالى: قُلْ أَبِاللّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِؤُونَ * لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ (65-66) سورة التوبة. ولأن سب الدين مضمون بالكراهة له وإنكاره، والله يقول سبحانه: ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ (9) سورة محمد. فالواجب على المؤمن أن يحذر، الواجب على كل مسلم ومسلمة الحذر، وأن يحفظ لسانه ويصون لسانه عما يجره إلى الردة عن الإسلام، كسب الدين والاستهزاء بالدين، أو الاستهزاء بالقرآن، أو سب القرآن، أو سب الرسول، أو سب الله، أو سب بعض الأنبياء الآخرين كله ردة، كله ردة كفر بعد الإسلام –نعوذ بالله–، واختلف العلماء هل يستتاب، أو لا يستتاب. وقال بعضهم يستتاب فإن تاب وإلا قتل. ويعزر أيضاً ولو تاب، يعزر عن فعله القبيح بالجلد، والسجن، ونحو ذلك، وقال آخرون لا يستتاب، بل يقتل حداً، يقتل كافراً، ولا يستتاب، ولا يدفن ولا يغسل ولا يصلى عليه ولا يدفن في مقابر المسلمين، لأن الجريمة له عظيمة، وكفره عظيم، والأقرب عندي والله أعلم القول بالاستتابة؛ لأنه قد يقع عن جهل، قد يقع عن غضب شديد، قد يقع عن استفزاز من بعض الناس فكونه يستتاب ويبين له خطأه وظلمه لنفسه، وأنه أتى جريمةً عظيمة، وكفراً عظيماً، فإذا تاب رفع عنه القتل، لكن لا مانع من كونه يؤدب، يؤدبه ولي الأمر، الأمير، أو القاضي يؤدبه عن هذا بجلدات، أو بسجن، أو نحو ذلك مع التوبيخ حتى لا يعود لمثل هذا". (انتهى الاقتباس) . علماً أن الله تعالى لم يوكل أحد بالدفاع عنه، وفي الآيات التي تم الاستشهاد بها أعلاه نجد " فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ"، وهو القائل {وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللّهِ يُكَفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلاَ تَقْعُدُواْ مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِّثْلُهُمْ إِنَّ اللّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً} (النساء 140) وأيضاً لا وجود لحد الردة في التنزيل الحكيم، فالله وحده من يحاسب الإنسان على إيمانه أو عدمه {وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} (البقرة 217)، لكن الفقه الموروث طبق شريعة اليهود، حيث سب الإله عقوبته الإعدام. ثم إن المرأة لعنت الغيم، في لغو من الحديث يعبر عن القهر والغضب ليس إلا، لكن المدافعين عن الشيطان كانوا لها بالمرصاد، ولم يتذكروا ما ورد في كتاب الله من أن {مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً} (المائدة 32)، وتسببوا في فقدان خمسة أطفال لأمهم، فإلى متى سنبقى نجتر في فقه الإجرام هذا؟ (نقلا عن الصفحة الرسمية للدكتور محمد شحرور).