قبل سنوات قليلة، حمل تقرير المراجع العام -كعادته- حجماً مقدراً من المخالفات في المال العام، من بينها وأبرزها كانت مخالفات ضخمة ارتكبتها إدارة ديوان الزكاة…الصحافة ضجت صبيحة تقرير المراجع العام بفساد المؤسسة ذات الطابع الديني. بعدها بأيام…المسؤول الأول في المؤسسة الشعائرية، ذهب إلى الرئيس وجلس معه مطولاً، خرج بعدها ليقول للإعلام إنه شرح للرئيس حقيقة ما جرى، وأن الرئيس تفهم الوضع تماماً…في أقرب تشكيل حكومي، كان ذاك المسؤول وزيراً ولا يزال!. لم يمض على احتجاز القيادي بالحزب الحاكم ساعات، بعد إلقاء القبض عليه بتهم فساد واستغلال نفوذ…وصل إليه وزير العدل شخصياً، منحه حريته وخرج الرجل ونام ليلته هانئاً وسط أسرته. مطلع الأسبوع كانت رئيسة كوريا الجنوبية تحترق بكاءاً، وهي على بعد خطوات من زنزانتها، التي وصلتها في أول ليلة لها خارج قصور الرئاسة، وستنتظر فيها إلى حين توجيه التهم في قضايا فساد واستغلال نفوذ أجبرت البرلمان هناك على حجب الثقة عنها تمهيداً لمحاكمتها. بارك غوين، تسلمت أغراضها الشخصية وهي تدخل زنزانتها بعد ما تبللت بالدموع، ارتدت زي السجينات وتنتظر جلسات الاستجواب من داخل السجن. غوين رئيسة منتخبة، وصلت إلى الحكم محمولة بأصوات شعبها، لكن، ولأن الدولة هناك تضع مصلحتها فوق كل شيء، كان أن عمت التظاهرات العاصمة وامتلأت الشوارع، ولم تتوقف الصحافة من النفخ في قضية الرئيسة دون رقيب أمني، ولم يصفق البرلمان لخطاب الرئيسة…بل حجب عنها الثقة وتحولت مباشرة إلى متهمة…ثم إلى حبيسة في مساحة 10 أمتار تنتظر الاستجواب. حينما يكون المسؤول في الدولة مسؤول فعلاً عن الدولة، هكذا تكون النتائج…لكن حينما تتحول الدولة بأكملها إلى (مزرعة) تخص طبقة محددة هي في الواقع فوق القانون وفوق المساءلة، يصبح الوضع كما هو عليه وضعنا الآن. أخبار أمس، تأتي في لبوس النصر المؤزر…أن الشرطة ألقت القبض على المُقنّع، اللص الذي نفذ عدد من عمليات السطو على صيدليات الخرطوم…بينما آباء اللصوص يحملون الحقائب الأنيقة ويتنقلون عبر مطارات العالم ويحملون الصفات الرفيعة. الدولة التي تستعرض قوة قانونها في حبس سارق (أنبوبة غاز) وجلد سارق (حذاء) من مسجد وتغريم (معاق) لأنه تسوّل في شوارع الخرطوم، بينما تغلق ملفات قضايا حاويات المخدرات لعدم كفاية الأدلة، سوف تظل أداة طيّعة في أيدي الطبقة التي (تمتلك) الدولة. سوف يأتي اليوم الذي لن يستطيع المواطن مع هذا الوضع صبرا…ولسوف نرى بأعيننا، كيف يؤخذ القانون باليد، حينها لا لوم ينفع. التيار