يفرقنا انقلاب.. يجمعنا واتساب في قروب (الصحافة والسياسة) بمنصة التواصل الاجتماعي "واتساب"، رفع الاستاذ مبارك الكوده رسالة بعنوان "وأيّ شريعةٍ غير هذه نُريد"، جاء فيها: هكذا نشأنا في خمسينيات القرن الماضي مثل كل أهل السودان، إنسان عفو في بلد عفو، يتنسم الإنسانية وقيمها وتنوعها الثقافي بحرية لا ينكرها إِلَّا صاحب غرضٍ أو هوى. خرجنا للحياة من عمق الناس، كل الناس بمختلف السنتهم وألوانهم وثقافاتهم، وخرجتُ مثلهم من حي شعبي قوامه المعاشيين من جنود الجيش الإنجليزي والبوليس. كنّا أسرة واحدة، سودانيين وصومال وارتريين وعدد مقدر من اليمنيين والأثيوبيين، وفي هذه الحاضنة الإنسانية المتنوعة ترعرعنا، وفي رحمها تشكلنا، وظلت السنين العشرين الأولي من عمري من بداية الخمسينات وحتى نهاية الستينات من أدفأ وأجمل سنوات العمر التي تختزنها الذاكرة، حيث تأسست شخصيتي بأركان ومقومات الفطرة وسلامتها، حرية بلا قيود إِلَّا ما أنكره الناس، أتجول في أزقة مدينتي كسلا التي تعرفني تماماً كما أعرفها تماماً بكل أشياءها وتفاصيلها، وقد سَلِم الناس من لساني ويدي كما سَلمتُ من السنتهم وأيديهم. نشأنا في مؤسسة (الجيران) بشخصيتها الاعتبارية المسجلة في دواخلنا، وختمها البارز في سلوكنا وقيمنا الاجتماعية، وكنّا نقول للجار (الجيران) بصيغة الجمع، وجمع المفرد كما هو معلوم عند اهل اللغة يقصد به التعظيم. تعلمنا من هذه المؤسسة أنه ربما تعود مساء يومٍ لبيتك وتجد ضيوفاً لجارِك القريب جاءوا من سفرٍ بعيد يغطون في نومٍ عميق بعد أن تناولوا وجبة العشاء واكتملت عندهم كل مراسم الضيافة، وما عليك عندئذٍ إِلَّا أن تبحث عن مكانٍ آخر لمرقدك وربما في بيتٍ آخر في هذه الليلة، وذلك بعد أن تتأكد من أن أهل بيتك قد وفروا كل حاجيات اليوم التالي لضيوف الجار بالجنب، وعندها يمكنك أن تخلد للراحة هادئ البال. وللجار خصوصيته ولكنها محدودة وبالكاد لا تتجاوز أشياءه الخاصة جداً، وما عدا ذلك فهو على الشيوع من علبة السكر والملح وقشة الكبريت إلى غرفتك الخاصة وسريرك وغطاءك، بل وكل ممتلكاتك في بعض الأحايين. وهذه المؤسسة الاجتماعية لها من التقاليد والأعراف من ضمانٍ اجتماعي وتأمينٍ صحي ما يجعلك تستغني عن أهلك وقبيلتك. ومن أعرافها أيضاً أن عرضك ودمك ومالك حرام، ومصطلح (بنات الحلة) عند شبابها له قدسية ومواثيق يحترمها الجنسين ويلتزمون بها التزاماً لا يمكن الخروج عليه. هذه قيم إنسانية اجتماعية مصبوغة في فطرة الناس التي فطرهم الله عليها (الّا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير) وهي دين الحق الذي افتقدناه بسبب وصايا البعض. يقول الرسول "ص" (مثل المؤمنين في تراحمهم وتوادهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكي منه عضو تداعي له سائر الجسد بالسهر والحمى)، هذه هي الشريعة التي امرنا مولانا عز وجل أن نقتدي بهداها، (ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها). والشريعة قيم وأعراف، (خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين)، وليست هوىً وأمزجة كما يظن البعض، (قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا). والحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله. مبارك الكوده – اوستن 19 ابريل 2017. * كتبت للكوده وللقروب الرسالة التالية: وصف عميق جدا في اختصاره المكثف لمشاهد كانت تشكل حياة السودانيين في كل انحاء البلد. مشرقه ومغربه، جنوبه وشماله. كُتِب بمشاعر رفيعة وحساسية مرهفة ونقاء وصفاء نفس سوية. لا اشك ان كاتبه يملك اجابة على السؤال المُرَكب: ماذا حدث لأهل السودان ولماذا وكيف حدث؟ الكودة كتبَ ما يمكن ان يشكل مدخلا لرواية العصر. فهل يواصل فيها؟ بسَرْدِ محصلة تجارب عاشها او تعرف عليها، سينتج مبارك الكوده عملا ادبيا تسجيليا تاريخيا يقَدِّم فيه قيمة مضافة. ووحده الكوده من سيحدد "نسبتها" في الفاتورة التي سيقدمها لنا من تبضعه. ضع أخي الحبيب الكوده قيمة مضافة لجملة البضائع -لتقرأ التجارب-، الفاسد منها والجيد، الطالح منها والصالح.. واللبيب بالإشارة يفهم لماذا تقديم "الطاء" على "الصاد" في كلمة يصبح وضع أحد الحرفين لوصف حدث. تحول. انقلاب. تغيير او سلوك، اي سلوك، يصبح علامة فارقة لتحديد المصداقية بشرط عدم التحيز لفكرة. كن محايدا. حَكَمَا. شهما بتناولك في رواية سياسية لشأن البلد وجيرانه بجمع المفرد العظيم لو شئت، وجبرا لا حصرا لجيرته الممتدة على احداثيات الجغرافية الاربع وما بينها.. فالتداخل والتعايش كانا يسيران على قدم وساق الى ان حدث ما أخل بمعادلتهما في الداخل اولا فانعكس على الخارج وكيف لا ينعكس. مشوار الألف خطوة يبدأ بخطوة وقد كتبت عليك فمشيتها وكتبتها. واصل المشوار. مع تحياتي وامنياتي بالتوفيق. [email protected]