أرجو من صميم قلبي أن يكون ما قاله الأخ مبارك الكودة في هذه المقابلة مع صحيفة «المستقلة» نقداً واعياً وهادفاً للإنقاذ وألا يكون اعترافات خاصة ومواقف شخصية للأخ الكودة جاءت نتيجة قناعات جديدة تولدت في خاطره وفي وجدانه بعد مفاصلته مع الإنقاذ. وهذا كله يعتمد على المعني الغائب في المقابلة الذي استوضحت الأخ الكودة عنه في الحلقة السابقة.. وهو مفهوم الإسلام السياسي، فالكودة لم يبين ماذا يعني بالإسلام السياسي؟ هل يعني الأخ الكودة بالإسلام السياسي.. السياسة الشرعية؟ أم لعله يرمي إلى انتفاء الاكتفاء برفع شعارات إسلامية في السياسة وإفراغ الجوانب الأخرى المتعلقة بالسلوك الفردي والسلوك الاجتماعي والالتزام الأخلاقي والتعبدي من أحكام الشعائر والشرائع. إن عبارات الكودة موهمة وغير منضبطة، ولولا ذلك لوجدتني اتفق معه في كثير مما جاء في كلامه وقد اختلف معه في بعضه.. وكل ذلك مرده إلى مقصده في عبارة الإسلام السياسي وأيضاً من موقفه من الإنقاذ؟ إلا أنني وللأسف اختلفت معه في موقفه من الإنقاذ حسبما جاء في أقواله هذه رغم أننا التقينا في لقاءات تفاكرية حول ما يجري في الإنقاذ، وأحسب ذلك إن لم تخني الذاكرة حوالي عام 1998 1999م. نبدأ أولاً بحديثه عن أن الإنقاذ تعمل بدون خطة إستراتيجية.. وكنت أظن وما زلت أظن أن الإنقاذ ليست في حاجة إلى من يصوغ لها خطة ولا من يدلها على خطة. والكودة يقول إن كل شيء صغيراً أو كبيراً قام به كان من بنات أفكاره.. وأظن الكودة يقصد المشروعات التنموية والاستثمارات «والمسارح» وما شابه ذلك، وهذه سياسة دنيا وليست سياسة شرعية، والسياسة الدنيوية كانت في المرتبة الثانية بعد السياسة الشرعية.. فهل كل ما قام به الكودة طيلة فترة حكمه كان من بنات أفكاره حتى في السياسة الشرعية؟ وإذا كان كذلك وإذا كانت الإنقاذ بدون خطة إستراتيجية.. وهي تعني السياسة الشرعية فما هي مشروعات الكودة وبقية المحافظين فيما يتعلق بالسياسة الشرعية؟! وإذا كان هؤلاء المحافظون كلهم في وعي الكودة وفي يقظته وفي إدراكه لقصد البرنامج الإنقاذي فلماذا لم يقوموا بإصلاحه أو الاستقالة في وقت مبكر. لما أرسل النبي صلى الله عليه وسلم معاذ بن جبل إلى اليمن زوده بخطة إستراتيجية غير مكتوبة وهي الكتاب والسنة والاجتهاد ولما علم النبي أن هذا هو برنامج معاذ بن جبل حمد الله أن وفق رسول رسول الله إلى ما يرضي الله ورسوله. السؤال الملح: هل هذا الفشل المريع الذي تعانيه الإنقاذ كان في الجانب التنموي والبشري، أي فيما يتعلق بسياسة الدنيا فقط لا غير؟ وهل كان الجانب الآخر حتى على المستوى الفردي «صاغ سليم» بلا استدراكات ولا مآخذ ولا قصور، ولما سئل الكودة عن أنه في ظل الإنقاذ حصل الكثير خارج السلطة، أجاب بأن الإنقاذ اجتهاد بني على باطل وما بني على باطل يظل باطلاً!! ما هو الباطل الذي بنيت عليه الإنقاذ؟ لماذا لا يوضحه الكودة؟ هل هو الأصل الشرعي؟ هل هو الفهم للمطلوب من نظام قام على انقلاب عسكري ليقيم حكماً إسلامياً مبنياً على الكتاب والسنة؟ أم أن الباطل هو أن الإنقاذ التزمت الإسلام السياسي فقط، بمعنى أنها جعلت الإسلام ذريعة وحجة في وجه المخالفين حتى تستأثر بالسلطة؟ وهذا يقودنا للعبارة التي انتقد بها الكودة الإنقاذ من «استغلال مشاعر البسطاء باسم الدين مجداً».. هل هو يعني هذا فقط، أي أنه ينكر استغلال مشاعر البسطاء؟أم لعله يقصد الجزء الأخير من العبارة وهو متناقض تماماً مع الجزء الأول حيث يقول والفكرة من الأصل ليست صحيحة بل هي خاطئة تماماً وبالتجربة.. إشهد الله أني أحب أن أفهم ما هي الفكرة الخاطئة من الأصل؟ «الفكرة من الأصل ليست صحيحة بل خاطئة تماماً بالتجربة». لماذا لا يتكم الأخ الكودة بشيء من الوضوح ويترك هذا الإيهام الذي أتمنى ألا يكون متعمداً!! فكرة خاطئة تماماً وبالتجربة!! ما هي فكرة السياسة الشرعية أم فكرة الإسلام السياسي الإنقاذية؟ أم يا ترى فكرة الإسلام السياسي على إطلاقها؟ نريد أن نعرف أين يقف الكودة الآن!! فنحن نعرف أين كان يقف قبل الإنقاذ.. وقبل قبل الإنقاذ وفي الإنقاذ.. وهو الآن في الإصلاح الآن!! والكودة لا ترفع له العصا.. وتكفيه الإشارة .. بل أن الكودة لا يحتاج إلى إشارة!! عندما نعرف مفهوم الكودة من مصطلح الإسلام السياسي نعرف إين يقف الكودة.. وأين يقف الكودة من الإنقاذ ومن أخطاء الإنقاذ!! إن مجموعة أخطاء الإنقاذ هي حاصل جمع أخطاء الذين عملوا فيها طيلة ربع قرن من الزمان، ولو أن كل قيادي في الإنقاذ غادر كما غادر الكودة ثم جاء بعد سنوات ليعترف بأخطائه ويقول إنه لا يتبرأ منها.. فماذا يجني الناس البسطاء المستغفلين من جيش جرار من المعتذرين والمتنصلين؟! عندما اختلف بعض الإخوة مع الإنقاذ ومع الترابي الذي يقول الكودة «الترابي هو الذي جهجهنا»، ومع دستور 1998 وخاصة المادة «19» من المبادئ الموجهة والمادة «37» شروط اختيار رئيس الجمهورية، ومع عقيدة التوالي التي جاءت بالنظام الحزبي البغيض.. لم يترددوا إطلاقاً في مغادرة مواقعهم بل جهروا بأسباب المغادرة. إن الكودة يقول رداً على سؤال المحرر: هل تعتقد أن الإسلام السياسي تفكير بني على خطأ؟ يقول الكودة: «الإسلام السياسي من الأوهام الكبيرة التي كنا نؤمن بها إيماناً مطلقاً من دون أي سند ولا دليل وكان مجرد اجتهادات خاطئة». أولاً الإيمان المطلق لا يتعلق إلا بالعقائد والعبودية لله وصحة ما جاء بين دفتي المصحف لأن المطلق هو الله سبحانه وتعالى.. وحتى هذا المطلق فلدينا عليه أدلة من العقل ومن النقل من مثل قولنا أو بالأحرى رد الإعرابي لما سئل كيف عرفت ربك؟ فقال: البعرة تدل على البعير والأثر يدل على المسير فسماء ذات أبراج وأراض ذات فجاج وبحار ذات أمواج وجبال وأنهار أفلا يدل ذلك على الخبير البصير. سأل المحرر الكودة قائلاً: سيد مبارك هل تتحدث عن تجربة الإسلام السياسي المعروفة لدينا والحاكمة حالياً؟ وهو ذات سؤالنا واستفهامنا، فماذا كان رد الكودة على هذا السؤال المفصلي؟!