منذ بدء الحرب في سوريا لم يكن خاف دور قطر في تمويل الجماعات المسلحة التي قامت تركيا بتسهيل مهمة دخول أفرادها إلى سوريا. لم تكتف قطر بتبني وجهة النظر الداعمة للمعارضة السورية في نزاعها مع النظام بل أصرت على أن تكون جاهزة لتلبية كل ما تحتاجه قوى المعارضة من دعم مادي واعلامي. ولقد شهدت الدوحة الإعلان عن قيام الائتلاف الوطني السوري الذي أعادت المعارضة من خلاله ترتيب أوراقها على أساس صعود قوى الإسلام السياسي إلى القيادة وانسحاب ممثلي التيار العلماني منها. وكان ذلك التحول حاسما على المستوى التاريخي. يومها انتهت الثورة لتنفتح الأبواب على حرب شاملة، لم تكن المعارضة الرسمية إلا طرفا واحدا من بين أطراف لا تحصى كانت تسعى إلى اسقاط الحكومة السورية في محاولة منها لتأسيس سوريا جديدة، تكون على مقاسها. قبل سوريا وجدت قطر في الحرب على ليبيا فرصتها للإعلان عن دور إقليمي يذهب بها بعيدا عن حيزها الجغرافي، دولة عضوا في مجلس التعاون الخليجي. لقد مولت قطر تلك الحرب غير أنها فشلت حين حاولت أن تكون حاضرة على الأرض، ذلك لأن النزاع الليبي الليبي كان أكبر من قدرتها على تحجيمه، وهو الفشل ذاته التي تعرضت له في محاولتها الدخول إلى تونس بثياب الراعي الاقتصادي من خلال حركة النهضة وزعيمها الغنوشي. وبرغم الاختلاف الكبير بين حالتي ليبيا وتونس فإن الفشل القطري كان مؤشرا على أن الدولة الخليجية لا تملك حلا سياسيا يقع خارج دورها في تمويل الجماعات الخارجة على القانون. وهو دور ينسجم مع تبنيها فكر جماعة الاخوان المسلمين. ذلك الدور الذي أدى إلى تدهور علاقتها مع مصر، ملوحا يتدهور غير مسبوق لعلاقتها بدول مجلس التعاون الخليجي. وبالرغم من أن الحرب في سوريا قد تجاوزت حدود المنطقة التي يمكن لدولة صغيرة أن تتحرك فيها بسلام، فإن ظهور قطر ممثلة للجماعات المسلحة في اتفاقية البلدات السورية الأربع التي فرض على سكانها النزوح من بلداتهم يثبت أنها لا تزال تملك حظوة لدى أطراف النزاع المعارضة. غير أنها حظوة ترتبط بما تقدمه من تسهيلات مالية وهو ما افتضح أمره من خلال أزمة الصيادين القطريين الذين تم اختطافهم في العراق. هناك مَن سعى إلى ابتزاز قطر من خلال اختطاف عدد من مواطنيها المغامرين، وهو على علم بأن اللعبة ستستهوي الدولة التي يروق لها أن تكون طرفا في أزمات عبثية، غالبا ما تكون عصابات منظمة طرفا فيها، لذلك فإن المفاوضات في شأن تلك الأزمات لا تجري في العلن. وهو ما يعزز لدى قطر ثقتها بقدراتها الاستثنائية على السير في المناطق المعتمة. ما كانت تعمله قطر في الخفاء صار معلوما وليست الإشارات الأميركية الأخيرة التي وردت على لسان وزير الدفاع الأميركي ماتيس إلا تمهيدا لموقف الولاياتالمتحدة في عهد ترامب من الدول التي لم تعد علاقتها بالجماعات الإرهابية المسلحة خافية على أحد. من المؤكد أن الجناح السياسي الموالي لإيران في العراق كان طرفا في مأساة الصيادين القطريين، غير أن ذلك الطرف وهو معروف من قبل السفارة الأميركية في بغداد كان مطمئنا إلى أن الولاياتالمتحدة لن تتدخل في الأمر، فالمزاج الأميركي لم يعد مرحبا بما تفعله الدولة الخليجية لذلك اضطرت قطر بعد مفاوضات شاقة إلى دفع فدية، قد تكون الأكبر في تاريخ الفدى المدفوعة لقاء الافراج عن مختطفين أبرياء. قطر التي تفاوضت مع الخاطفين لأكثر من سنة تعرف مَن هم أولئك الخاطفين، غير أنها لن تصرح عن هوياتهم، ذلك لأنهم يعملون في المجال الحيوي تورطت في العمل فيه، وقد تحتاج إليهم يوما ما. ما من سبب منطقي يدفع بدولة صغيرة بحجم قطر إلى خوض مغامرات خطيرة قد تجلب لها النحس. فهي ليست دولة عقائدية وما من شيء في رعاية الاخوان المسلمين ينطوي على مصلحة اقتصادية. إضافة إلى أن اللعب مع الإرهابيين المحترفين وإن كان يجري عن بعد لن يجلب سمعة حسنة. ليس حسنا بالنسبة للقطريين أن يُتهموا برعاية الإرهابيين. سيكون من الصعب على الدولة التي تعيش من تصدير الغاز أن تقنع أحدا بأنها لا تأوي إرهابيين حين يحين موعد بطولة كأس العالم لكرة القدم التي من المفترض أن تُقام على أراضيها عام 2022. فاروق يوسف.