قبل أيام قدم المراجع العام تقريره السنوي، ولأنَّ الأمر الذي أصبح راتباً ومعتاداً أن يمر التقرير كما التقارير العادية، لم يعد أحد يهتم بتقرير المراجع العام الذي يقدم كل شيء بالتفصيل المُفصل. جاء في نهاية تقرير المراجع العام الذي قدمه في البرلمان الشهر الماضي، ما معناه، أنَّ ديوان المراجعة لا يريد فقط أن يرفع تقاريره السنوية ويشير إلى الانتهاكات هنا وهناك، بل يريد أيضاً أن يرى فعلاً ملموساً، يُشعره أنه يعمل. انتهى تقرير المراجع العام بانتهاء إذاعته في البرلمان، وصبيحة ذلك نشرت الصحف أجزاء منه، وانتهى الأمر. عقب تشكيل الحكومة العريضة في أعقاب انفصال جنوب السودان، امتلأت صفحات الصحف اليومية بإعلان وزارة العدل الذي تحث فيه المسؤولين للتقدم بإبراء ذممهم.. استمر الإعلان لفترة من الزمن، ليست طويلة، ثم اختفى، واختفت معه إبراءات الذمة. لم تخرج وزارة العدل -وقتها- لتحدث الرأي العام، عن ما إذا كان المسؤولون استجابوا للإعلان وأكملوا إجراءات إبراء الذمة، أم انتهى الأمر إلى إيرادات للصحف نظير الإعلان؟. في أول جلسات مجلس وزراء الحكومة الحالية، وزعت الحكومة (استمارات) لوزراء حكومة بكري حسن صالح، لتقديم إبراء ذمة.. وقبل إعلان الحكومة بأيام، وجه المؤتمر الشعبي ممثليه في الحكومة بتقديم إبراء ذمة. إبراء ذمة جديد، دون أن نطلع على ماذا انتهى إبراء الذمة المعلن سابقاً عقب حكومة ما بعد الانفصال.. الحديث عن إبراء الذمة يقودنا مباشرة إلى قضايا الشفافية والفساد.. والتجربة الحاضرة في كل الأوقات أنَّ مثل هذه القضايا تظل مؤرشفة في صفحات الصحف، دون أن تنتقل إلى أرشيف المحاكم. في وقت سابق، كان إبراهيم أحمد عمر يبدي دهشة واضحة تجاه "عدم المحاسبة"، وقال إنه لم ير مسؤولاً واحداً قُدم لمحاسبة، حديثه هذا كان قبل أن يتسلم رئاسة البرلمان الحالي الذي لم يقدم خطوة واحدة باتجاه المحاسبة. صحيح، هناك من ينتظر أن يؤدي رئيس الوزراء بكري حسن صالح دور (المنقذ)، بل هناك كُثر يعولون عليه بشكل مُطلق، وربما هؤلاء مبعث تعويلهم، أن تحدث الرجل في أول مؤتمر صحفي له عقب تسلمه مهام النائب الأول بعبارته الشهيرة (بعد أورنيك "15" مافي زول بلقى عضة). لكن الذي حدث ولا يزال أنَّ الإرادة منعدمة لمحاربة الفساد.. فعقب ذلك التصريح الشهير، برزت قضايا فساد كبيرة، وليس آخرها، ما نشرته (التيار) قبل يومين، جميعها ينتهي إلى "باركوها". إذا أردنا إصلاحاً حقيقياً فلن يتأتَّى هذا إلا من باب الشفافية ومحاربة الفساد.