عَقب تشكيل الحكومة العريضة في أعقاب انفصال جنوب السودان، امتلأت صفحات الصحف اليومية بإعلان وزارة العدل الذي تحث فيه المسؤولون للتقدم بإبراء ذممهم.. استمر الإعلان لفترة من الزمن، ليست طويلة، ثم اختفى، واختفت معه إبراءات الذمة. لم تخرج وزارة العدل لتحدث الرأي العام، عن ما إذا كان المسؤولون استجابوا للإعلان وأكملوا إجراءات إبراء الذمة، أم انتهى الأمر إلى إيرادات للصحف نظير الإعلان؟ أمس وفي أول جلسات مجلس وزراء الحكومة الجديدة، وزّعت الحكومة (استمارات) لوزراء حكومة بكري حسن صالح لتقديم إبراء ذمة.. وقبل إعلان الحكومة بأيامٍ، وجّه المؤتمر الشعبي مُمثليه في الحكومة بتقديم إبراء ذمة. إبراء ذمة جديد، دون أن نطّلع على ماذا انتهى إبراء الذمة المُعلن سابقاً عقب حكومة ما بعد الانفصال.. الحديث عن إبراء الذمة يقودنا مُباشرةً إلى قضايا الشفافية والفساد.. والتجربة الحاضرة في كل الأوقات أنّ مثل هذه القضايا تظل مؤرشفة في صفحات الصحف دون أن تنتقل إلى أرشيف المحاكم. في وقتٍ سابقٍ، كان إبراهيم أحمد عمر يُبدي دَهشةً واضحةً تجاه "عدم المُحاسبة"، وقال إنّه لم ير مسؤولاً واحداً قُدم لمحاسبة، حديثه هذا كان قبل أن يتسلّم رئاسة البرلمان الحالي الذي لم يقدم خطوة واحدة باتجاه المُحاسبة. صَحيحٌ، هناك من ينتظر أن يؤدي رئيس الوزراء بكري حسن صالح دور (المُنقذ)، بل هناك كُثرٌ يعولون عليه بشكل مُطلق، وربما هؤلاء مبعث تعويلهم، أن تحدث الرجل في أول مؤتمر صحفي له عقب تسلمه مهام النائب الأول الشهيرة (بعد أورنيك "15" مافي زول بلقى عضة). لكن الذي حدث عقب ذلك التصريح الشهير، أنّ قضايا فساد كبيرة، تحوّلت إلى قضايا رأي عام، ولم تجد طريقها إلى الحسم، ظل المتهم متهماً، وظل المال غير معروف لمن ذهب. الفساد ارتبط منهجياً بهذه المنظومة، والذي يعجز عن تشكيل لجنة تحقيق في أمر وزاري، قطعاً هو عاجز عن مُحاسبة مُرتكبي جرائم الفساد، الفساد لم يعد مُجرّد قضية عجزت السلطة عن علاجها، أصبح شرطاً ومُؤهّلاً للترقي. والمُؤسف حقاً، والذي يُشير إلى أنّ (مافي فائدة) أنّ رموز قضايا فساد كبيرة، مُنحت الثقة في هذه الحكومة الجديدة، وتسلّمت مقاليد وزارات مُهمّة، والأكثر من ذلك، أن تبدأ الحكومة الجديدة عهدها بشبهات التزوير في الشهادات. [email protected]