درجت الشعوب العربية على إحياء ذكرى يوم النكبة في شهر مايو من كل عام، والنكبة المعنية هنا هي قيام دولة إسرائيل عام 1948م على جزء من أرض فلسطين، فعندما تذكر النكبة معرفة بألف ولام التعريف فإن المقصود هو ذاك الحدث الذي اعتبر نكبة مركزية لكل العرب، وفي هذا العام حلت ذكرى النكبة متزامنة مع تسونامي التغيير الذي ضرب أعتى الدكتاتوريات العربية من تونس إلى مصر إلى ليبيا إلى اليمن إلى سوريا، ولكن الوسائل القمعية التي تصدت بها هذه الدكتاتوريات للشعوب المطالبة بالحرية والكرامة أثبتت بما لا يدع مجالا للشك أن النكبة قاسم مشترك بين كافة شعوب هذه المنطقة وليست حكرا على الشعب الفلسطيني، ولذلك على كل شعب أن يجعل يوم استيلاء النظام الدكتاتوري الذي يحكمه على السلطة يوما يطلق عليه مسمى(يوم النكبة)، ويصبح إحياء ذكرى هذا اليوم تقليدا وطنيا راسخا، الهدف منه جرد حساب النظام الدكتاتوري وتسليط الضوء على كل ما ارتكبه في حق الشعب من جرائم واعتداءات، ومحاولة حصر أعداد من قتلهم وشردهم وسجنهم وعذبهم من أبناء الوطن، وكذلك حصر كل ما تسبب فيه من هزائم عسكرية وسياسية وخسائر اقتصادية وانهيارات أخلاقية، وكذلك لا بد من حصر الإنجازات التي حققها في الاقتصاد والتنمية ومواجهة الأعداء في الخارج ومقارنتها بالضرائب الباهظة التي أجبرت الشعوب على دفعها لكي يبقى النظام الدكتاتوري في الحكم لعشرات السنين، طبعا نظم(ملة الاستبداد والفساد) إذا تم تقييمها بمعايير الديمقراطية وحقوق الإنسان وحزمة الحكم الراشد(المشاركة والشفافية والمساءلة وسيادة حكم القانون) حتما ستسقط سقوطا مدويا، ولكن لكي تكتمل صورة المأساة يجب تقييم أداء هذه النظم بمعايير ما طرحته هي من أهداف وشعارات بررت بها مصادرة الحرية، مثلا النظام السوري (البعثي) صاحب شعارات القومية العربية ماذا حقق من شعارات توحيد الأمة العربية لكي تتصدى لعدوها التاريخي والحضاري الكيان الصهيوني؟ ألم يفشل النظام السوري والنظام العراقي(البعثي) المباد في مجرد إقامة علاقات (جوار حسن) طبيعية بينهما ناهيك عن الوحدة! وكانا عدوين لدودين رغم المرجعية الحزبية الواحدة! وماذا أنجز النظام السوري الذي يسحق شعبه الآن بالدبابات في مواجهته مع إسرائيل التي تحتل جزءا من أراضيه منذ عام 1967؟ النظام السوري لم يوجه ترسانته العسكرية إلى الجولان لتحريرها ولن يجرؤ على ذلك بل إنه سيتردد في السماح لأية حمامة بالعبور إلى الجولان ما لم تكن بيضاء!! ولكنه لم يتردد مطلقا في إبادة شعبه في مجازر بشعة عندما رفع الشعب صوته جهارا! مجزرة (حماة) وحدها في عام 1982م أبيد فيها عشرة آلاف مواطن سوري في أقل التقديرات وهناك من قدر ضحاياها بأربعين ألفا! هذا في عهد الأسد أما الآن في عهد الشبل الذي هو من ذاك الأسد نشهد مقدمات لتكرار سيناريو حماة في درعا ولن يدرأ هذه الكارثة إلا تصدي المجتمع الدولي! عندما يتم جرد حساب الدكتاتوريات العربية بصورة موضوعية سوف يتضح جليا أن النكبة المركزية الكبرى في هذه المنطقة هي (ملة الاستبداد والفساد)، وهزيمة هذه الملة بشكل حاسم هي الشرط الابتدائي للانتصار في أية معركة! إذ أنها نكبة النكبات! وليتنا كسودانيين نعد العدة منذ الآن لإحياء ذكرى النكبة السودانية في الثلاثين من يونيو القادم!