سيدتى هجرت السماء وهجرت الأرض.. ونزلت الى العالم السفلى…. إنانّا هجرت السماء والأرض وهجرت الأرض …. ونزلت الى العالم السفلى …. هجرت معبدها فى الوركاء ونزلت العالم السفلى……. أريستاخوس(217-145 ق.م) ……. ظلت النساء سر مستغلق على الانسان الأول ، فلقد امتلكن سر الحياة: الدم، لقد كانت فكرة الوجود الحى مرتبطة بالدم. اذ لاحظ الانسان الأول إن الدم عندما يتفجر من فريسته فهذا يعنى انه نالها وإنها ماتت وصارت ملكاً له ، وان ظل الدم موجوداً بداخلها فهذا يعنى انها لازالت حية. ولكن عند ملاحظته للمرأة تفاجأ بأن الدم يسيل منها عند كل شهر ولا تموت، فحيره هذا الأمر وزاد من حيرته تدفق الدم منها عند الولادة وبدلاً عن موتها رآها تخرج كائن جديد فجعلته هذه الملاحظات خائفاً منها ومن ثم مقدساً لها. لقد تناثرت رسوم النساء الحوامل على النقوش بالكهوف فى أول المنحوتات التى نحتها البشر قبل ثلاثين ألف عام على صورة إمرأة حبلى، ومن هنا بدأ تقديس الانثى . اذ كانت الاهات بغالب الديانات القديمة إناث، وفى الحضارة السومرية كانت عبادة الأم المقدسة “ننخرساج” هى الشىء السائد، وقصة الخلق كانت لديهم تبدأ من “تعامة” وهى الانثى التى خلقت كل الالهة من باطنها وأخرجت من بطنها زوجاً هو”ممو”(الماء المالح) وأخرجت منه “آبسو”( الماء العذب) والكثير من الآلهة التى تنتمى للطبيعة وظواهرها… لتنتهى القصة بدخول الحرب مع الالهة التى انجبتها فتتعارك مع حفيدها مردوخ ليشقها بهراوته العتية لنصفين الأرض والسماء. وبهذه الخلفية عاشت المرأة السومرية مالكة لكل مقاليد الأمور فى حياتها ومجتمعها حتى انها كانت تتزوج بأكثر من رجل . ولعدد من الأسباب منها الحرب والحيازة والأسرة وأسباب أخرى لايتسع الحيز للخوض فيها، تم انتقال تدريجى للسلطة من يد المرأة الى الرجل الذى بدأ يعيد فى المخطوطات السومرية نفسها الاعتبار لذاته، فنجد انه حدث تحريف كبير فى القصص السومرية لا تخطئه العين. فمثلاً نشر فى القرن الماضي” صمويل نوح كريمر” ، باحث متخصص فى السومريات قصة وجدها منحوتة فى لوحة مسمارية تعود للحضارة السومرية تقول: فى يوم من الأيام ، كانت الربة إنانا قد تنقلت عدة مرات بين السماوات والأرض فأدركها التعب وبلغ بها الإنهاك غايته، فتمددت فى بستان، لتستريح تحت ظلال شجرة السارباتو الوارفة، فغلبها النوم، وكان شوكاليتودا صاحب البستان يرقبها من بعيد، من بين فروع شجر السارباتو، فلما رآها منهكة وقد لعب الهواء بثوبها، فتعرى جسدها، تسلل اليها بحرص، واقترب حتى تأكد من انها راحت فى سبات عميق، من شدة التعب، فانتهكها وهرب، ولما صحت إنانا من نومها، نظرت الى نفسها فى فزع، فادركت ماحدث، وعزمت على الانتقام من هذا الرجل الذى إغتصبها بهذا الأسلوب المخزى، وقررت ان تصطاده بأى ثمن. أرسلت الربة كوارث على سومر: الأولى ملء كل الآبار بالدم، حتى فاضت مزارع النخيل والكروم كلها دماً، والثانية ريح عاتية وزوابع مدمرة، ومع ذلك لم تظفر إنانا بمغتصبها شوكاليتودا لأنه كان يذهب بعد كل كارثة الى أبيه ليستشيره، فينصحه الأب بالاختباء بين إخوته ذوى الرؤوس السود أهل سومر، وأن يلازم مركز المدينة. وأطاع شوكاليتودا نصائح والده فعجزت “إنانا” عن الانتقام منه، ومضت باكية إلى مدينة اريدو مقر أبيها،إله الحكمة السومرى “إنكى” لتشكو له ما جرى معها. من الواضح إن ثمة تناقض بييّن. إذ انه وفى ظل حضارة تحكم فيها المرأة من المستحيل أن نتصور صورة “الربة” كمغتصبة كما أبرزتها القصة ، إذ إن الحضارات اللاحقة ورغبة بصوغ تاريخ مغاير نسجت روايات جديدة تبدو فيها التفاصيل منحازة للذكورة، مما شكل تناقضات جوهرية، إذ حاولت الرواية الذكورية أن يبدو الرجل صاحب السطوة فهو المغتصب الذي يفلت من العقاب ولا تملك الربة أمامه سوى أن تبطش بغضب أهوج لا يصيب هدفه لينتهي بها الأمر باكية تشكو للسلطة الذكورية نفسها، كما تتبدى الحماية الأبوية بجانب الذكر المنتهك “للربة” فينصحه أبوه ويساعده على التواري. إن الرواية المتأخرة تبدو ساذجة وبسيطة ولكن أخذ بها فقط للرغبة الذكورية … وللخوف العميق الذي ظل البشر مرهونين له.. الخوف من الخصوبة .. الخوف من تدفق الدماء الذى يصنع الحياة بدلاً عن ان يسفر عن الموت.. فتحولت صورة المقدس الى المدنس، وصار تهوين الأنوثة واهانتها هو الطريق الى سحب القداسة من الأنوثة وإيداعها إلى الذكورة … وانتهى الأمر بأن عثر الآثاريون- قبل التدوين- على لوحة سومرية رسم فيها شيطان وشجرة وإمرأة تقدم لرجلها ثمرة من الشجرة! لوحة ترسم القصة التى بدأت منها التوراة .. لتمحو هذه الرسوم ، رسوم الكهوف للأشياء تتحلق على أبعاد متساوية بصورة امرأة حبلى.. لتتحول عشتار الالهة الى الأنثى التى تطلب الذكر فيرفضها وينبذها لعيب فيها والمقاطع القادمة توضح الإنقلاب الذى حول المقدس الى شرير ومدنس.. عشتار: تعال ياجلجامش وكن حبيبى هبنى ثمارك هدية كن لى زوجاً وأكون زوجة لك فيرد جلجامش: وأى حبيب أخلصت له الحب الى الأبد؟ وأى راع أفلح معك على مر الأزمان؟ تعالى أفضح لك حكايا عشاقك: تموز زوجك الشاب ضحيت به ثم بكيته ! طائر الشقراق الملون ، أحببته ثم ضربته فكسرت له الجناح وأحببت الأسد كامل القوة ثم حفرت له مصائد سبعاً. وأحببت الحصان السبّاق فى المعارك ثم قدرت عليه السوط والمهماز والأحزمة. وأحببت راعى القطيع ثم ضربته فمسخته ذئباً. وأحببت ايشولاتو بستاني نخيل أبيك ثم ضربته فمسخته خلداً فإن أحببتني، ألا يكون نصيبى منك كهؤلاء؟ “نص بابلى من ملحمة جلجامش هادية حسب الله [email protected]