لَقَدْ رَأَى مِنْ آَيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى (18) أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى (19) وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى (20) أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثَى (21) تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى (22) إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآَبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى (23) أَمْ لِلْإِنْسَانِ مَا تَمَنَّى (24) فَلِلَّهِ الْآَخِرَةُ وَالْأُولَى (25) وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى (26) إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ لَيُسَمُّونَ الْمَلَائِكَةَ تَسْمِيَةَ الْأُنْثَى (27) وَمَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا (28) فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (29) ذَلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدَى (30) “سورة النجم”. كانت “اللات” آلهة بنى سقبف وكانت تبسط سيطرتها على مدينتهم الطائف، وكانت عبارة عن صخرة مربعة… وكان بنو ثقيف قد شيدوا حولها بناء كبير، كانت قريش وقبيلة القبائل تعظمها، ويطلقون أسماء اولادهم على شرفها مثل زيد اللات.. وكانت ذات بعد حربى” و تحترم مابين شبه الجزيرة العربية الوسطى وحتى تدمر.. كانت ربة محاربة ، مسلحة بالرمح وتقف بعزة بين الجنود على الهيكل، يتقدمها جندى عتيد. كانت تظهر أيضاً مسربلة بالدرع وعلى رأسها خوذة مزينة بأعلاها، وعلى الرغم من أن اللات كانت أول الأمر إلهة الحرب والخصب معاً، الا انه لم يبق بارزاً منها سوى البعد الحربى. “مناة” معبودة الأوس والخزرج، كانت إلهتهم وإلهة كل من يتبع ديانتهم فى يثرب” الأسم القديم للمدينة” ، وكانت الأقدم بين الألهات، وكان العرب يتكنون بها مطلقين على أولادهم أسماء ك” عبد مناة، زيد مناة..” وكان صنمها ينتصب فى الجبل المسمى “المشلل” الواقع فى قديد بين مكةوالمدينة. وكان يتعبدها الأوس والخزرج وكل من يزور المدينة أو ضواحيها، وكانوا يقدمون لها الضحايا والقرابين، وكان الأوس والخزرج لا يعتبرون حجهم الى مكة مكتملاً ما لم يزوروا مناة. كانوا ينهون الطقوس عندها حالقين رؤوسهم، ورغم ان مناة كان يتبدى شكلها على شكل صخرة الا انها كانت تستد أصل أسمها من “عدّ أيام الحياة” وصارت تعرف فيما بعد “بالقدر الذى يعطى لكل أمرىء نصيبه” ثم انتهت الى معنى( المنية) أى الموت… كانت “العّزى ” من أعظم الأصنام في الجاهلية، وكانت تعبدها على وجه الخصوص ” قريش” قبيلة الرسول صلى الله عليه وسلم. وكان نفوذهم يشع من مكة على كامل شبه الجزيرة العربية ، ويحدثنا “ابن هشام” في كتابه “السيرة” أن قريشاً كانت تعبد العزّي فى نخلة، وكانت هذه النخلة السامية هى قرية تقع فى واد غير بعيد من مكة، على الطريق التى تقود منها الى العراق. وحسب ابن الكلبى فإن العزى كانت ممثلة على شكل شجرة كما يقول البعض، والبعض الآخر يقولون على شكل ثلاث شجرات أكاسيا. كان معبدها مجهزا بغبغب – وهو مكان مخصص للقرابين- وبكاهن كان يستشيره الجميع، حيث كان الناس يسمعون فيه أصوات،مما يشهد على مكانتها. لذلك كانت الصنم الأعظم، كان الناس يؤمونها حجاجاً ويقدمون لها عطاياهم ويضحون لها القرابين ليتقربوا منها وكان غبغبها منحراً “وهو المذبح” ، كان هيكلاً للقرابين يقع على حافة حفرة أو بئر يجرى فيه دم الضحايا المقدم للصنم، وحسب المؤرخ البيزنطى بروكوب القيسارى فان منذر بن ماء السماء ملك الحيرة الشهير قديكون قدم للعزّى أربعمائة قربان بشرى، وجميعهم من أسرى الحرب الساسانية.” فاطمة المرنيسى:الخوف من الحداثة”. ان هويتنا تتشكل عبر كل ما ساهم فى تكويننا كحضارة، ويشمل ذلك الماضى الصامت من تراثنا، لقد ظل الباحثين والأكاديميين متهيبين عن الخوض فى دراسة فترة الجاهلية فى التاريخ العربى، ولازالت المكتبة العربية تعانى ندرة فى هذه الحقبة الهامة للثقافة العربية، ومرد ذلك الإغفال هو شعور غير واع بالخوف من تلك الحقبة، اذ تبدو ممتلئة بالشر والفظائع للحد الذى يتردد الباحثين فيه عن التنقيب حولها، حيث تغمر دماء القرابين المكان ، ولم تكن الدماء التى تقدم للإلهات دماء حيوانية فقط بل بشرية أيضاً، فلقد كانت الآلهة تطالب بقرابين الصغيرات وأيضاً فى أزمان أبعد كانت تطلب صبياناً، وأشهرهم عبد الله بن عبد المطلب والد النبى عليه الصلاة والسلام، الذى كاد أن يقدم قرباناً للإله هبل، اذ كان أبوه قد نذره اذا رزق بعشرة أولاد أحياء، وكان هو العاشر، وعندما تم اثنا أبوه عن نذره قبلت الآلهة مئة جمل عوضا عنه.” ابن هشام: السيرة، ج1″ ارتبطت الأنوثة في الذاكرة العربية القديمة بالعنف المطلق.. العنف المستبد للإلهات، حيث تحول الحضن الأنثوي الأمومى الدافئ إلى صعيق الخوف و طلبات الدماء النهمة… وكانت سطوة الأنثى تضج حتى فى اسماء القبائل ” كندة، ساعدة، بنى أمية” فى ذلك التاريخ البغيض ارتبطت الأنثى بكل ماهو عنيف. ورداً على ذلك الخوف من الأنثى ابتدعت آليات للثأر من النثى فبرز الوأد كثأر فظيع ، ومن دلائل فظاعته انه كان يطلب فيه من النساء القيام بعملية وأد بناتهن فحسب الطبرى ففى قبيلة ربيعة ومضر يفرض الرجل الشروط على امرأته، اذ تستطيع الاحتفاظ بفتاة حية ولكن عليها بالضرورة ان تقتل الثانية، وعندما تولد تلك التى يجب ان تدفن حية يغادر الرجل المضارب مهدداً امراته اذا عاد ولم تكن الفتاة قد دفنت، فتصنع المرأة حفرة فى التربة وتبعث فى طلب الأخريات اللواتي يأتين فيجتمعن لديها ويساعدنها، وما ان تلمح المرأة زوجها فى الأفق حتى تضع الطفلة فى الحفرة وتطمرها بالتراب حتى تتغطى تماماً .. فأى ثأر تجاه الآلهات المرعبات أقسى من ذلك… ذكرى هذا العنف لازالت طافحة ببركة الخوف الآسن بالذاكرة العربية. مما جعل الأنثى مرتبطة بإتيان ما هو مرعب ومخيف، ويبحث الشعور او العقل الواعى عن مبررات لخوفه القديم من الأنثى فيرى ا ن فى جسدها سطوة على الرجل، ولازالت الأتثى كائن غامض ولتجنب غموضه رأت الثقافة حل هذا الرعب الدفين بإقصاء النساء وعزلهن، فالنساء المتجولات سافرات هن العزّى – والتى اشتق أسمها من العز والقوة – واللات ومناة حاملات الموت والهلاك.. لازالت النساء الهات مخيفات لتجنب الخوف منهن يجب مقاومتهن بعنف تام حتى لا ينفتح باب رعبهن من جديد.. للأطفال “تكنيك” مضحك لمواجهة الخوف من شىء ما وهو إغماض العينين، يغمض الطفل عينيه ويركن للهدوء حتى وان جاوره الخطر، ففى عدم الرؤية الحل، وذات التكنيك الطفولى تستخدمه المجتمعات العربية تجاه الصورة القديمة للأنثى بالذاكرة.. إغماض العين والنسيان والصمت المطلق … إن حبس الأنثى بدعوى صون شرفها ودعوى الخوف عليها فى واقع الأمر ما هي الا خوف منها.. من ذكراها المرعبة .. والحضارة التي لا تجابه مخاوفها تظل مسجونة بها بشكل ما.. اذ يتبدى حبس النساء خلف الحجاب كخوف ثابت لا يتزحزح، بل يرى العقل المسلم فى تجاهل النساء و حجر حرياتهن مصالحة مع الجاهلية ، والمحزن فى الأمر ان هذا العقل لا يرى فى العام 630م (فتح مكة) سوى تهدم الأصنام ويغفل عن مفهوم الرحمة الذى أتت به الرسالة لتغلق باب العنف والقسوة، الرحمة التى تلخص كل الرسالة المحمدية مشتقة من الرحم ذلك المكان الدافىء والآمن والخير حيث تتم حماية المستقبل وتغذيته.. ان الرسالة المحمدية غيرت فى صورة الأنثى كإلهة مرعبة وإن الرسول (ص) عندما كان يمر حول الكعبة فى يوم فتح الكعبة هاتفاً:” جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا” عندما كانت اشلاء الأصنام تحت قدميه الطاهرتين عنى ذلك غياب الهة القسوة وحضور الرحمة.. الرحمة لكل البشر..