سلطان دار مساليت: إرادة الشعب السوداني وقوة الله نسفت مخطط إعلان دولة دارفور من باريس    نقاشات السياسيين كلها على خلفية (إقتلوا يوسف أو اطرحوه أرضاً)    قطر.. الداخلية توضح 5 شروط لاستقدام عائلات المقيمين للزيارة    إيران : ليس هناك أي خطط للرد على هجوم أصفهان    قمة أبوجا لمكافحة الإرهاب.. البحث عن حلول أفريقية خارج الصندوق    «الفضول» يُسقط «متعاطين» في فخ المخدرات عبر «رسائل مجهولة»    هل رضيت؟    موقف موسى هلال يجب أن يسجل في دفاتر التاريخ    الخال والسيرة الهلالية!    زيلينسكي: أوكرانيا والولايات المتحدة "بدأتا العمل على اتفاق أمني"    منى أبوزيد: هناك فرق.. من يجرؤ على الكلام..!    مصر ترفض اتهامات إسرائيلية "باطلة" بشأن الحدود وتؤكد موقفها    نائب البرهان يصدر توجيها    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الإثنين    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الإثنين    سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الإثنين    نصيب (البنات).!    ميسي يقود إنتر ميامي للفوز على ناشفيل    ضبط فتاة تروج للأعمال المنافية للآداب عبر أحد التطبيقات الإلكترونية    بعد سرقته وتهريبه قبل أكثر من 3 عقود.. مصر تستعيد تمثال عمره 3400 عام للملك رمسيس الثاني    بمشاركة أمريكا والسعودية وتركيا .. الإمارات تعلن انطلاق التمرين الجوي المشترك متعدد الجنسيات "علم الصحراء 9" لعام 2024    تراجع أم دورة زمن طبيعية؟    لجنة المنتخبات الوطنية تختار البرتغالي جواو موتا لتولي الإدارة الفنية للقطاعات السنية – صورة    المدهش هبة السماء لرياضة الوطن    خلد للراحة الجمعة..منتخبنا يعود للتحضيرات بملعب مقر الشباب..استدعاء نجوم الهلال وبوغبا يعود بعد غياب    إجتماع ناجح للأمانة العامة لاتحاد كرة القدم مع لجنة المدربين والإدارة الفنية    نتنياهو: سنحارب من يفكر بمعاقبة جيشنا    كولر: أهدرنا الفوز في ملعب مازيمبي.. والحسم في القاهرة    إيران وإسرائيل.. من ربح ومن خسر؟    شاهد.. الفنانة مروة الدولية تطرح أغنيتها الجديدة في يوم عقد قرانها تغني فيها لزوجها سعادة الضابط وتتغزل فيه: (زول رسمي جنتل عديل يغطيه الله يا ناس منه العيون يبعدها)    صلاح السعدني ابن الريف العفيف    الأهلي يوقف الهزائم المصرية في معقل مازيمبي    ملف السعودية لاستضافة «مونديال 2034» في «كونجرس الفيفا»    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    مبارك الفاضل يعلق على تعيين" عدوي" سفيرا في القاهرة    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    ماذا تعلمت من السنين التي مضت؟    إنهيارالقطاع المصرفي خسائر تقدر ب (150) مليار دولار    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    تسابيح!    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    وصفة آمنة لمرحلة ما بعد الصيام    إيلون ماسك: نتوقع تفوق الذكاء الاصطناعي على أذكى إنسان العام المقبل    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    تداعيات كارثية.. حرب السودان تعيق صادرات نفط دولة الجنوب    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    الجيش السوداني يعلن ضبط شبكة خطيرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كلو إلا العمالة.. سوداننا الحبيب أولى بالتحرير!!
نشر في حريات يوم 18 - 10 - 2011

في السباق نحو عنوان جميل جذاب أتحفتنا الصحفية اللامعة نادية عثمان بالتعبير “كلو..إلا وردي!!” فأخذ التعبير حظه من الاستعمال والاستلاف رغم أنه أنثوي بلحنه وفصله، حتى أنه أعجبني، ولكن الذي لم يعجبني في العبارة هي كلمة وردي!! فلست من عشاق محمد وردي..ولا أطيقه. ولذا رنت عبارة “كلو.. إلا وردي!!” في عقلي..وكأنه أهم من السودان نفسه. فماذا تعني كلمة “كلو”، سوى أن وردي يوزن كل السودان؟ ولا عتاب للصحفية التي تعشق وردي بتطرف، وكسبنا تعبيرا جديدا…كلو إلا دي!! وهي عبارة مكثفة تغنيك من كتابة أسطر أو فقرة بكاملها. فمثلا استخدمتها لتعميق الفهم قلت في إحدى مقالاتي الاقتصادية: وثالثة الأثافي حين رغبت روسيا أن يصبح الروبل عملة دولية ثالثة أي عملة يدفع بها للزيت وللتجارة وللاحتياطيات النقدية….فقالوا (كلو) إلا دي!!
وفي هذه الأيام تصدرت كلمة “العمالة” سوق الأخبار الصحفية عندما حاول أجهزة المؤتمر الوطني أن تلصقها ببلادة بالمحامي السياسي فاروق أبو عيسى. وعلى ذلك يستحق الموقف منا أن نستعمل مصطلح نادية مجددا وأن نقول: “كلو.. إلا العمالة”!! والأستاذة نادية لم تخرج من دائرة الحدث، فقد كتبت عمودها بعنوان: عيسى وتهمة (العمالة) وبلاغ ضد الحكومة!! وفتشت من جهتي في مقالها عن النقطة التي أجري وراءها ولم أجدها، وأدركت أن نادية قد خانها “حدسها الأنثوي” ولم تكتشف طبيعة التهمة الأنثوية لأبي عيسى!! ولماذا تهمة أنثوية؟ فحبكة التهمة لأبي عيسى شبيهة بمكائد النسوان والضرات، حتى وصفهن اللطيف الخبير بقوله: إن كيدهن لعظيم!! وبالرغم من ذلك فشل جهاز الأمن ومركز الخدمات الإعلامية السوداني MCSٍٍS فشلا مذريا.
ما لم تلاحظه الصحفية الأستاذة نادية بالمجوع أن مركز الخدمات الإعلامية السوداني MCSٍٍS هو الذي نم “النميمة”، ولأنه مشهور بالكذب ولا أحد يصدق ما يروج أحتاج إلى جهاز الأمن لكي يدعمه، فأستدعى جهاز الأمن فاروق أبو عيسى في توقيت مدروس synchronized “للونسة وشرب الشاي” لسبعة ساعات!! ولقد تخيل الذين حبكوا الحبكة أن مجرد دخول فاروق أبو عيسى لمكاتب الأمن في هذا التوقيت –بدافع الونسة- سيربطها الشعب السوداني والصحافة “بخبر” مركز الخدمات الإعلامية السوداني MCSٍٍS.
هذه الحبكة قد تنجح لو لم يكن أبو عيسى شخصية مشهورة والصحافة والإعلام طوعا بنانه – ولو كان شخصية اعتيادية ومحرومة من الصحافة والإعلام لنجحت الحبكة في الظلام ولالتصقت تهمة العمالة لهولندة في الضحية!!
بلا شك أن فاروق أبو عيسى سجل في مرماهم هدفين، أوله أن قريبه أخبره بالموبايل مبكرا، وفي التو، أن مركز الخدمات الإعلامية السوداني MCSٍٍS أطلق عليه “نميمة”، فعاجل أبو عيسى ضابط الأمن بالخبر فأنتزع منه اعترافا مهما، قال له الضابط: أن هذه التهمة ليست منا بل من الجهاز السياسي – دكتور نافع!! والهدف الثاني في المرمى: ركز أبو عيسى عند خروجه على كلمة “ونسة”، فتناقلتها الصحافة على أنها “ونسة”، فظهرت خدعة جهاز الأمن وأصبح واضحا إنه لم رغب في تعزيز “الانطباع” الكاذب أن فاروق أبو عيسى رجل هولندة بلحاظ نميمة مركز الخدمات!!
وهكذا طرشقت الحبكة وماتت في مهدها..!!
وبما أن سوق توزيع العمالة قد تم فتحه، يتبادر إلى الذهن السؤال التالي: ما الفرق ما بين تلك الأموال التي تتدفق من دول الخليج وما بين تلك من الدول الأوروبية؟ وما هو مقياس الوطنية وما هو حد العمالة؟ ومن هو نقطة القياس؟ هذا أسئلة حقيقية. فمؤسسات دولة المؤتمر الوطني المباشرة السيادية وغير السيادية المباشرة مثل الجمعيات الدعوية والخيرية والإغاثية وقد بلغ عددها ثلاثة ألف منظمة الخ، كلها أو معظمها تتلقى أموالا ضخمة من دول الخليج، ويكاد المرء أن يصاب بالذهول حين يرى الكم الهائل من عربات البرادو وغيرها بلافتات “منظمة طوعية” – ومعفية من الجمارك، فالجهة الخليجية الأجنبية المانحة التي تهدي مثل هذه السيارات الباهظة الثمن للمنظمات السودانية كم تكون قد منحتها (رشتها) بالكاش الجاري والسائل!!
وأترك جانبا، الحركات السلفية مثل جناحي أنصار السنة اللذان يتقاتلان على الأموال الخليجية الأجنبية جهارا عيانا وتعد بملايين الريالات السعودية – وبالرغم من ذلك لهم ممثل يحتل وزارة سيادية – وزير دولة للسياحة والبيئة.
بالمثل تيار السروريين…(تيار الصحوة المالية!)، فهو يعتمد كلية في تحركاته ونشاطه علي التمويل والدعم الخارجي. وكان التمويل في السابق يتم من خلال التحويلات البنكية من المُرسِل إلي المُرسَل إليه – مثل تحويل زوجة بندر بن سلطان من حسابها بأحد بنوك واشنطون مبلغا ضخما لحساب بعض أعضاء تنظيم القاعدة في 2001م – قبل ضربة البرجين بقليل بغطاء العمل الخيري. التحويلات البنكية هي عمليات مصرفية قد تكون مرصودة، وبعد أحداث 11 سبتمبر تم حظر العديد من المنظمات “الأهلية” الخيرية السعودية والخليجية الداعمة، وتم إعادة ترتيبها بحيث يكون جميعهم مظلة حكومية تديرها المخابرات الخليجية مباشرة. وعليه تم تجفيف المنابع والمصادر “الأهلية” التي تضخ المال، مما جعل استلام أموال المحسنين “الأهلية” يشكل خطرا علي المستلمين. وفي السودان عمدت المجموعة السرورية لتلافي الضغط عليها من جهاز المخابرات والإفلات من ابتزازه، ومن تتبع الدوائر الخارجية الأخرى إلى تطبيق أسلوب آخر، يتلقون الدعم الخارجي عبر إرسال البضائع والتي يتم تسييلها بعد بيعها في السوق مما دفع هذه الجماعة لإجبار بعض منسوبيها لدخول عالم البزنز وممارسة حرفة التجارة، لان المنسوبين أضمن في الحفاظ علي الأموال، ولهذا انتشرت العضوية السرورية لتعمل في سوق استيراد اللساتك والإطارات وأغلبهم في المنطقة الصناعية الخرطوم، وسوق نمرة (2)، وشارع الحرية وغيرهم، مما يعد مكسبا للتنظيم التكفيري ومغنطيسا لاكتساب عضوية جديدة.
وليست الأخيرة، اعتقلت السلطات السودانية أحد كبار موظفي وزارة الخارجية متلبسا بالاستخبار لصالح دولة الإمارات العربية، ونقول متلبسا، حتى أن بنزين سيارته كان على حساب دولة الإمارات، وبالرغم من ذلك، لم يحاكم، ولم يفصل من عمله، وترك يعمل في الوزارة حتى أنهى خدمته بالمعاش!!
إذن ما هو المعيار لدى دولة المؤتمر الوطني للتفريق ما بين الوطنية والعمالة؟ لا يوجد. فدولة المؤتمر الوطني وحلفائها غارقون إلى مشاشهم في جني الأموال الأجنبية..التي تحسب بلا شك في خانة العمالة للأجنبي!!
وبحسب المال عصب الحياة والمحرك الحقيقي، فحزب المؤتمر الوطني يدرك تماما أهمية المال للمعارضة في عملية إسقاط دولته – فدولته رفضت شراء الجنيه السوداني من دولة الجنوب مرده الخوف من وصول بعض هذه الأموال للمعارضة فعاجل الجميع بخفية لتغيير العملة!! وأترك جانبا فهمه أن دولته لا تستمر ديمومتها ليوم واحد بدون استنزاف المال العام بلا حسيب!! فالمعارضة إذن إذا رغبت فعلا في إسقاط هذا النظام لابد أن تتحصل على الأموال من أية جهة داعمة أوروبية أو عربية أو أمريكية – ولا تحتاج إلى فتوى في الوطنية والعمالة من المؤتمر الوطني!! فالسودانيون حساسون تجاه مسألة الأموال الأجنبية..هذه حقيقة!! ولكن بالرغم من ذلك يجب ألا تتهيب قوى المعارضة من فكرة “جمع الأموال” من الداعمين – حتى ولو من الشيطان نفسه، كما قال الملك عبد الله بن العزيز آل سعود للعقيد القذافي في قضية تحرير الكويت!! وسوداننا الحبيب أولى بالتحرير من قبضة الملك عبد الله بن عبد العزيز الذي يمد شياطين السلفية السودانية بالأموال!!
وفي الحق إنني مندهش لعلاقة دولة المؤتمر الوطني بدول مجلس التعاون الخليجي، ولعلك تسخر اليوم من ارتماء عمر البشير ودولته في حضن هذه الدول بلا كرامة وبلا عزة نفس، وهو نفسه الذي أبدى انزعاجه عام 1990م من وجود القوات الأمريكية والأجنبية في المنطقة العربية، فقاطعه الملك فهد فورا، قائلا:
(إن الأخ السوداني لا يعرف ماذا يتكلم!! وكلامه مليء بالغلط!! وأنا أتعهد أمامكم بأن القوات الموجودة في السعودية لن تقوم بأي عمل هجومي على العراق ولن تتحرك خارج حدود المملكة وهي موجودة فقط للدفاع عنها).
ولكنهما شهوة السلطة وحب المال – لا شيء غيرهما – تملكتا الرئيس عمر البشير والمؤتمرجية فتحول السودان على أيديهم إلى محمية للقوات الأجنبية ومرتعا للدول الخليجية التي تلعب عل وتر أن الشعب السوداني ناقص في دينه – لذا يرسلون مليارات من الدولارات لهذه المنظمات المشبوهة لاحتلاله وسرقة قراره الوطني السيادي تحت دخان الدعوة الإسلامية!!
ولا أكون متطرفا إن قلت إن كل كوارث السودان هي بسبب ارتباطه بدول الخليج!! ولا أكون متطرفا إذا قلت أن القذافي لم يكن مخطئا حين رغب في الخروج من جامعة الدول (الأمريكية والعبرية) الناطقة بالعربية!! أعتقد أن هذا الخروج من هذه الجامعة له مبرراته ومعززاته للمعارضة السودانية اليوم وغدا، إذ يكفينا قوميتنا السودانية نفتخر بها..ويكفي كون القومية السودانية ناطقة باللغة العربية، أما أن نتخيل أننا عرب..فهذه كذبة كبيرة على الذات!! ماذا يجبر السودانيين أن يكونوا كرة تدور حول “مجلس التعاون الخليجي” بينما هذه الجامعة لا تهش ولا تنش!! هكذا رغبها البريطانيون منذ 1945، فمتى نفهم؟ ولم أرى أغبى من الشعب السوداني الذي فرط في دولته وفقد ثلثها، ولم أرى أغبى من الشعب السوداني الذي يمتلك كما هائلا من أراضي صالحة للزراعة وماءً وفيرا، ومعادن وبترول، وثروة حيوانية ضخمة ومع ذلك يتطلع جميع السودانيين للعمل “أجراء” في دول الخليج، وتلهث دولته الحالية “للشحاذة” بذلة وانكسار في دول الخليج!!
المثقفون السودانيون مطالبين قبل غيرهم بمراجعة عقولهم وذواتهم المفكرة، فهم متهمون في الدرجة الأولى بجر السودان والسودانيين لهذه الوضعية المسخ، فالمثقفون والمتعلمون يفضلون بوعي أو بغير وعي حل تناقضاتهم الذاتية – عبر اللهث أو الحلم للتوظيف في دول الخليج، على حساب التناقضات القومية!! لا يفهم المثقفون ولا الذين يحكمون السودان اليوم إن المال قضية نسبية وحقيقة مجردة يمكن اختراعه بمطبعة!! بينما نفس هذه المطبعة لا يمكن أن تولد لك بقرا أو بترولا أو سمسما، أو قمحا..الخ، فهنالك جهل مريع ب “ظاهرة النقود”.
فالهدف من هذه المقالة هو تحذير المعارضة والشعب السوداني أن يسقطا في السذاجة كأن يتخيلوا أن إسقاط هذا النظام قد يتم بسهولة بدون دعم مالي، هذه نظرة غير واقعية، فأحرى بهما ألا يسقطا في وهم رجل الأعمال غير الواقعي الذي يبني أحلاما في جني الأرباح بدون أن يكون له رأسمال! فبنظرة سريعة حولنا، نجد أن سيناريو إسقاط النظام الليبي تم إعداده لسنتين خلت قبل إشعال الشرارة، وتدفقت الكثير من الأموال السعودية والخليجية – خاصة القطرية – للمعارضة الليبية بما فيهم سلفيي شمال أفريقيا السروريين: الجماعة السلفية للدعوة والقتال – الجزائرية!! ونقلا عن صحيفة الراكوبة، وعن إيست اونلاين فعن صحيفة الغارديان البريطانية ننقل لكم هذا الخبر الهام مرة أخرى:
تنقل الغارديان عن دبلوماسيين قولهم أن قطر تضرب عرض حائط السيادة الليبية بدعمها المالي لقادة كتائب إسلاميين لهم صلات سابقة مع القاعدة. وضعت قطر أجندتها “الإسلامية” على فصائل ليبية مسلحة عبر الدعم بالمال والسلاح لمجموعات عبد الحكيم بالحاج المقاتل السابق مع تنظيم القاعدة في أفغانستان، ورئيس المجلس العسكري في طرابلس اليوم. ونقل مراسل صحيفة “الغارديان” البريطانية “بيتر بومونت” من العاصمة الليبية طرابلس القلق المتصاعد من الدور القطري في مستقبل البلاد الليبية. وعبرت الصحيفة عن القلق المتزايد بين الليبيين في المجلس الوطني الانتقالي والمسئولين الغربيين بأن قطر، التي قدمت أسلحة للثوار الليبيين، تتبع أجندة خاصة لمرحلة ما بعد الحرب في ليبيا على حساب جهود أوسع لتحقيق الاستقرار السياسي في البلاد”.
وأضافت أن القلق تزايد على مدى الشهر الماضي من أن قطر تتجاوز إستراتيجية المساعدة المتفق عليها دولياً لليبيا لتقديم الدعم للأفراد والفصائل المساهمين في عدم الاستقرار السياسي المستمر في هذا البلد. وكانت قطر في مقدمة الداعمين لمناوئي القذافي بالسلاح والعتاد، كما شاركت طائراتها في عمليات الناتو في ليبيا ضد نظام القذافي. ونقلت الصحيفة عن دبلوماسي وصفته بالبارز ولم تكشف عن اسمه قوله “هناك سؤال الآن حول ما يفعله اللاعبون الأجانب مثل قطر في ليبيا وما إذا كان مفيداً ويحترم السيادة الليبية، لكن هناك شعور أيضاً بأنها تضرب عرض الحائط بقضية السيادة في البلاد”. وقال مصدر دبلوماسي آخر “أن جميع القوى الخارجية التي لها مصالح في ليبيا، ومن بينها الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، لها أجنداتها الخاصة، ومع ذلك هناك شعور بأن دولة قطر توفر الأموال والدعم لبعض الأفراد”. وأشارت الصحيفة إلى أن هناك مزاعم أيضاً بأن قطر، وبدلاً من دعم المجلس الوطني الانتقالي، اختارت دعم بعض الشخصيات الرئيسية المفضّلة بالموارد المالية وغيرها، وعلى رأسها عبد الحكيم بلحاج رئيس المجلس العسكري في طرابلس. وقالت إن قطر اختارت الشهر الماضي أن تلقي بثقلها وراء مجموعة من الأفراد بمن فيهم الشيخ علي صلابي، رجل الدين الليبي المقيم في الدوحة والذي يتمتع بعلاقات وثيقة مع بلحاج، وكان وصف رئيس وزراء حكومة المجلس الانتقالي محمود جبريل بأنه “طاغية في طور الإعداد”.
وسبق إن كشفت صحيفة ليبية جديدة عن الدور الذي تخطط له قطر بالاستحواذ على مركز القرار في ليبيا عبر دعم ميليشيات إسلامية وعناصر من القاعدة في استنساخ لتجربة حزب الله اللبناني المدعوم من إيران. وذكر تقرير لصحيفة “عروس البحر” التي صدرت بعد تحرير طرابلس من كتائب القذافي نشرته في عددها الجديد على صفحة كاملة تحت عنوان “ليبيا إلى أين.. أسلحة قطرية لبلحاج.. و(المجلس) التنفيذي آخر من يعلم.. سعى محموم لاستنساخ تجربة حزب الله” أن “9 طائرات حطت بمطار معيتيقة محملة ب 100 طن من الأسلحة وأجهزة الاتصالات والمناظير القادمة من قطر، سلمت خلال الأسبوع الماضي لأمير الحركة الإسلامية للتغيير “الجماعة الإسلامية المقاتلة سابقا” عبد الحكيم بالحاج الذي يتولى حاليا رئاسة المجلس العسكري لطرابلس”. وأشارت الصحيفة في تقريرها إلى أن الدعم القطري شمل “وصول ضباط عمليات قطريين شكلوا مع بلحاج غرفة عمليات بمطار معيتيقة”. وتحدث التقرير بالتفاصيل عما أسماه الدور الذي يسعى الإسلاميون إلى لعبه وعن تشكيل المزيد من “الكتائب الجديدة في مدينتي طرابلس وبنغازي”، مشيرا إلى انه “ينذر بدخول البلاد في صراع مسلح لفرض واقع سياسي استنساخا لتجربة حزب الله في لبنان”. أ.ه.
أول درس تستوعبه المعارضة الدارفورية من هذا الخبر الهام، وخاص الحركات المسلحة، أن دولة قطر ودول مجلس التعاون الخليجي يلعبون بهم لكسب الوقت لصالح السلفية المصدرة وتعمل حثيثا في دارفور ربطا بالمحيط الدارفوري؛ فإمارة الشارقة مثلا تعمل كالسلحفاة بتؤدة وترمي ثقلها “الخيري” بصمت لسلفنة أم جمينا وتشاد، وذلك لصنع الحلقة المفقودة في السلسلة السلفية ما بين دارفور ومالي والنيجر، والجزائر وأخيرا ليبيا.
وإذا فهمنا أن المؤتمر الوطني يرمي بجثته برذالة على مجلس التعاون الخليجي لكي يعتبروه رقما مهما في “السلسلة السلفية”، بينما دول الخليج ترفض دولة المؤتمر الوطني ولا تقبل بديلا عن السلفيين الاقحاح، نستنتج أمرين: الأولى أن دول الخليج تفضل أن يستمر هذا النظام السوداني الضعيف قائما في السودان ولا تسعي إلى إسقاطه أبدا “حتى” يقوى عود الحركات السلفية؛ والثانية، ألا تحلم المعارضة الدارفورية الشعبية أو الحركات المسلحة كأن تتلقى دعما خليجيا كما تلقاه “ثوار” ليبيا السلفيين – هذه لن تحدث. وعليه، تفضل دول الخليج أن تستمر الأزمة السودانية دون تغيير في موازين القوى لكسب الوقت لصالح السلفية والسلفيين.
نفس هذا السيناريو الليبي تم تطبيقه على سوريا مع وضع الاعتبار للاختلاف الجيوسياسي وتاريخ الشام، مثل هشاشة الملكية الأردنية (الحارس على سلامة إسرائيل) التي لن تساهم في إسقاط النظام السوري، وتاريخ سوريا العريق، واحترافية النظام اللبناني الديمقراطي الذي لن يسمح بتمرير مقررات خليجية أو أمريكية أو إسرائيلية تحت الطاولة الخ.
كذلك الثورة المصرية التي تعتبر ثورة حقيقية، سبقها تمويل أمريكي ضخم طوال ثلاثة عقود لمنظمات المجتمع المدني المصري، وكان القصد منها إحداث تصدعات في بنية المجتمع المصري بأسلوب زيادة حساسية الأقلياتminorities sensitization لوضع مصر في دوامة دائمة، ولكن الشباب المصري حول هذه الميزة إلى ثورة حقيقية.
نخلص من ذلك بالمجموع أن الدعم المالي للمعارضة السياسية هو مهم جدا، وبدون الدعم المالي ستتأخر عملية التغيير لصالح السلفية والسلفيين عندما تكسب المزيد من الوقت لسلفنة مفاصل الشعب السوداني – يجب أن يضع عامل الزمن في الاعتبار. الدعم المالي قطعا لا يذهب لرشوة الشعب السوداني للحراك والانتفاضة (وهي تهمة قد يطلقها المؤتمر الوطني) فالشعب ناضج ذاتيا وموضوعيا للحراك لكن تنقصه القيادة المركزية وقواعد التحريك، بل نقول وليس سرا أن هذه الأموال ستذهب في توفير المعيشة وسبل الحراك للكوادر القيادية المتفرغة ولتكلفة المطبوعات، والندوات، ودعم أسر الكوادر المتضررة الخ.
لهذه الأسباب مجتمعة، أستبق المؤتمر الوطني المعارضة وتهيأ لمطاردة أية أموال قد تدعم المعارضة السياسية، خاصة شعوره بدنو السقوط مع تفاعل الأزمة الاقتصادية المتسارع ورفض دول الخليج مده بأربعة مليار دولار، وخذلان إيران له بتبرعها بمائة مليون دولار في صورة مواد غذائية للشعب السوداني، بينما مائتا مليون دولارا لتنمية الشرق – وليس لحصالة المؤتمر الوطني الفارغة، فكانت باكورة الهجوم مسرحية اعتقال فاروق أبو عيسى بأسلوب: إياك أحكي وأسمعي يا جارة!!
شوقي إبراهيم عثمان
(كاتب) و (محلل سياسي)
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.