في رواية مزرعة الحيوانات للروائي البريطاني الشهير جورج أورويل مقولة صارت مثلا، يصلح للاستشهاد هنا. والرواية ذائعة الصيت كتبها أورويل بعد فجيعته في الثورة الروسية التي كان يؤيدها، وبنى فيها عالما متخيلا من الحيوانات يسرد فيه تاريخ الثورة البلشفية،وكيف انتهى بها الحال في إطار الاستبداد الستاليني. فقد كان شعار الحيوانات بعد ثورتها وسيطرتها على المزرعة “كل الحيوانات متساوية” لكن بعد أن ارتاحت القيادات و”رطبت”، لم يعد يكفيها ما تتقاسمه الحيوانات، لذلك أخذت لنفسها امتيازات إضافية وعدلت الشعار القديم ليكون ” كل الحيوانات متساوية، ولكن بعضها أكثر مساواة”! (All animals are equal, but some animals are more equal than others) وحال الحركة الشعبية لتحرير السودان شبيه بحال مزرعة الحيوانات، فشعارات الحركة مرتبطة ارتباطا وثيقا بالدفاع عن الحريات العامة والقوانين الديمقراطية، كما أنها خاضت مع القوى الديمقراطية في الشمال معارك كثيرة دفاعا عن الحريات العامة. لكن حين يأتي الوضع لحكومة الجنوب، التي هي حكومة الحركة الشعبية، تصبح بعض الحيوانات أكثر مساواة من غيرها، وتظهر بالتالي حيوانات أقل مساواة، بالضرورة. تعتقل سلطات حكومة جنوب السودان منذ أسبوعين مجموعة من الصحفيين العاملين بإذاعة وتلفزيون جنوب السودان بحجة أنهم أضربوا عن العمل يوم تأدية الفريق سيلفا كير للقسم وبالتالي لم يقوموا بتغطية المناسبة. بلغ عدد الصحفيين الذين اعتقلوا 12 صحفياً، تم اطلاق سراح ثلاث سيدات منهم لأسباب إنسانية، بينما لا يزال تسعة صحفيين رهن الاعتقال. هذا الاعتقال يقدح في مصداقية الحركة الشعبية ومدى التزامها بما رفعته من شعارات، لكنه، أكثر من ذلك، يجعل مشاركة الحركة الشعبية في الدفاع عن الصحفيين المعتقلين في الشمال موضوعاً للسخرية، فهل الحركة ضد اعتقال الصحفيين في الشمال، لكنها مع اعتقال الصحفيين في الجنوب؟ ثم انظر لإضراب الأطباء ، والحالة التضامنية الواسعة التي أحاطت به، وستوصل الأطباء، إنشاء الله، لتحقيق مطالبهم العادلة. وقد كان للحركة الشعبية موقف تضامني واضح مع الإضراب الأول، وربما يجيء نفس الموقف مع الإضراب الثاني. لكن كيف يمكن فهم هذا الموقف إذا كانت حكومة الحركة الشعبية في الجنوب تعتقل الصحفيين المضربين لأنهم طالبوا، مثل الأطباء، بمستحقاتهم المتأخرة؟ هل حكومة الشمال مخطئة في اعتقال الصحفيين، لكن حكومة الجنوب غير مخطئة لأنها “أكثر مساواة من الآخرين؟” إن الموقف من الحقوق والحريات العامة هو موقف مبدئي لا يتجزأ، ولا يعرف الحدود الجغرافية أو السياسية، ولا يمكن أن يكون موضعا لمجاملة، وإلا أصبح موقفاً لمجرد المكايدة السياسية، وهو شيء غير جائز وغير مقبول.