إعداد: وائل طه محي الدين : هناك عدة عوامل اقتصادية، سياسية وثقافية تضافرت سوياً وأثرت في بنية حركة الطلبة، هذه العوامل بدأت تظهر بحدة بعد بداية تطبيق سياسات التعليم العالي في العام الدراسي 90- 1991م، تكاملت هذه العوامل مع التغيرات الكمية والنوعية والتي حدثت في نفس الفترة لتفرز واقع جديد للحركة الطلابية له خصائصه ومميزاته الجديدة. بالضرورة لا يمكن فصل واقع حركة الطبة كقطاع من قطاعات المجتمع عن باقي القطاعات الاخرى بكل ازماتها وتفاصيل واقعها، فقد تأثرت الحركة الطلابية بالأزمة الاقتصادية العامة في البلاد (ارتفاع تكاليف المعيشة، التضخم ، تدهور قيمة العملة الوطنية) وكان أول وابرز انعكاس لهذه الازمة هو مصادرة السكن والاعاشة والتي كانت حقوق وامتيازات يتمتع بها طالب جامعة الخرطوم تاريخيا والتي كانت تؤدي دورها في خلق واقع ملائم للطالب لكي يمارس نشاطه الاكاديمي والاجتماعي والثقافي والسياسي دون هواجس مالية، وقد خاضت جماهير الحركة الطلابية معركتها في هذه القضية وقدمت شهدائها للدفاع عن حقوقها المسلوبة والنضال من اجل اعادتها. تصفية السكن والاعاشة اثر على تركيبة الحركة الطلابية، فهناك عدد مقدر من الطلاب اصبح مفروضا عليه العمل أثناء فترة الدراسة لكي يستطيع تغطية تكاليف دراسته، مما خلق نوعا من الانفصال عن مجتمع الجامعة والطلاب وقضاياهم بالنسبة لهذا الطالب، أضف إلى ذلك إن عددا مقدراً ايضاً من الطلاب اصبح لا يستطيع السكن في الداخلية نسبة لتكلفة الإعاشة العالية وأيضا لرسوم السكن الباهظة التي اصبحت تفرض على الطلاب بعد إلغاء حق مجانية السكن، هذه الاوضاع تركت اثرها على عددية طلاب الاقاليم بالجامعة، وايضا تركت اثرها في ارتباط بقية الطلاب الاخرين بالجامعة. بالإضافة إلى تصفية السكن والاعاشة عانت الحركة الطلابية من الارتفاع الهائل في الرسوم الدراسية في لافترة ما بعد 1990م، وحتى الان، هذا الارتفاع يصاحبه ارتفاع تكاليف الدراسة عموما (معيشة، مواصلات، سكن، خدمات، كتب، ادوات وأساليب تعليمية أخرى،…). وكما تؤثر الازمة الاقتصادية والسياسات الاقتصادية العامة على تركيبة حركة الطلبة ايضا تؤثر الازمة السياسية العامة بالبلاد تأثيرا بليغ. فالأنظمة العسكرية استهدفت ضمن ما استهدفت الحركة الطلابية ومنابرها النقابية بمحاولات تراوحت بين الاحتواء، التدجين اوالمحي ولم تكترث لواقع التعدد والتباين الفكري والسياسي وسط حركة الطلبة واستحالة صبها في قالب وموقف واحد، لذا وبغض النظر عن لون السلطة السياسي والأيدلوجي – ظلت القطيعة والصدام قائمة بين الطرفين. هذا الاستهداف من الانظمة الشمولية برز في شكل القمع والاضهاد والعنف الذي تعرضت له الحركة الطلابية عموما وبجامعة الخرطوم بشكل خاص والذي وصل إلى حد ظاهرة الاغتيال والتصفية الجسدية والتي تكررت مرارا منذ 30/ يونيو /1989م وحتى اليوم، قدمت خلالها جامعة الخرطوم 5 شهداء من طلابها. العنف السياسي من ابرز انعكاسات الازمة السياسية عل حركة الطلبة، إن صعوبة تعريف العنف امر يعاني منه بصورة خاصة العلم الاجتماعي، ومشكلة العنف هي احد المشكلات الازلية للنظرية الاجتماعية والممارسة السياسية للبشرية، وتاريخها يبدأ من ظهور المجتمع المتناقض، إن مفهوم العنف ككل الحالات الاجتماعية هو انعكاس شكل معين للعلاقات الاجتماعية وفي نفس الوقت للعنف طابعه المتميز في لاتعبير عن هذه العلاقات والتأثير عليها ودوره وهدفه الخاص في الممارسة التاريخية ويعتبر العنف السياسي ظاهرة عالمية تعرفها المجتمعات البشرية كافة بدرجات متفاوتة وبصور واشكال متعددة، ومن البديهي ان يمثل العنف السياسي جانبا مهما لظاهرة العنف بمعناه المجتمعي الشامل، ذلك إن إثاره قضية العنف السياسي ليس في جوهرة الا طرح لطبيعة السلطة والدولة في المجتمع، فالعنف يصبح سياسي عندما تكون الاهداف والدوافع سياسية، ورغم الاختلاف في تحديد طبيعة ونوعية هذه الاهداف وطبيعة القوة المرتبطة بها لذلك اغلب الباحثين يعرفون العنف السياسي بأنه (استخدام القوة المادية أو التهديد باستخدامها لتحقيق اهداف سياسية1. يمكن ان نعتبر احداث العنف الجماعي بجامعة الخرطوم 1967م (احداث العاجكو) اول حادثة عنف بارزة تقع في اوساط الحركة الطلابية- بادر بها تنظيم الاخوان المسلمين في الجامعة- وتعددت الاحداث بعد ذلك وزادت نسبتها بصورة عامة في فترات الحكم العسكري الدكتاتوري وبصورة خاصة في نظام 30 / يونيو /1989م والذي اصبح فيه العنف سمة ملازمة للنشاط الطلابي، هناك ملاحظات أولية. * كان تنظيم الاتجاه الاسلامي طرف ثابت في كل الاحداث ضد كل أو جزء من المنظمات الطلابية. * وقعت هذه الاحداث وتنظيم الاتجاه الاسلامي إما خارج قيادة الاتحاد او توجد ارهاصات سياسية محددة تنبئي بهذا أو أن النظام السياسي المتحالف معه التنظيم يمر بأزمة سياسية أو السباب السابقة مجتمعة. العنف السياسي كأداة في حسم الخلافات السياسية أي كانت وسيلة ادخلها تنظيم الاتجاه الاسلامي وانفرد بجدارة استخدامها واضحت جزء اصيلا من نهجه، ولو ان الحركة السياسية السودانية قرأت هذه الاحداث بعين فاحصة لعلمت ان احداث العنف المنظمة والمتواترة ما هي إلا تمارين مصغرة لاحداث العنف الاكبر الجاري منذ العام 89 ولا تتحمل الحركة الطلابية وزر دمغها بالعنف ، بل قد تكون في انحيازها للديمقراطية- الجمت عنف التيار الديني وحاصرته بالعمل السياسي احيانا وبالعنف المضاد احيانا اخرى القمع الشرس والدائم من قبل السلطة للحركة الطلابية والتواجد الدائم لقوات الامن حول وداخل الجامعة وحوادث الاعتقال والتعذيب المتكررة للطلاب النشطين سياسيا والتي اصبحت واحدة من المشاهد اليومية العاديةفي الجامعة، وتحول تنظيم الحركة الاسلامية الطلابية إلى زراع من أزرع السلطة في الجامعة إلى جهاز امن طلابي اثر كل ذلك على النشاط الطلابي، حيث ظهر احجام من الطلاب تجاه النشاط وتقلص هذا النشاط، أضف إلى ذلك دخول مفردة الفصل السياسي من الجامعة إلى قاموس الطلاب بتنفيذ قانون الجامعة لعام 1990م والتي اعطى الادارة هذا الحق (حادثة فصل طالب وارجاعه عن طريق القانون عام 1993م)، كان لهذا الوضع ايضا تأثيره البليغ على الوضع الأكاديمي للطالب بالجامعة. قضية العنف السياسي بالجامعة بحاجة ماسة للمزيد من الدراسة باعتبارها قضية ملحة تترك اثارها على كل نواحي الحياة الجامعية، وهي مثار خلاف بين كافة الاتجاهات في الجامعة وهناك صعوبة في تحديد الجهة المسئولة عن هذه الظاهرة مسئولية كاملة ومباشرة، فمثلاً بعكس الرؤية التي وردت سابقا يرى تنظيم الاتجاه الاسلامي ان المسئولية المباشرة للعنف هو الطريقة الوحيدة لهذا التنظيم لممارسة السياسة، ولكن كما ذكر الاستاذ عصام جبرالله وتاريخها الثابتان اي عنف في الجامعة لابد ان يكون لاتجاه الاسلامي طرفا فيه، إما ضد تنظيم معين أو ضد الحركة الطلابية بتنظيماتها المختلفة. ايضا من انعكاسات الازمة السياسية العامة والعنف السياسي وحدة الاستقطاب بين معسكر النظام، الذي يمثله في الجامعة تنظيم الاتجاه الاسلامي وحدة ومعسكر المعارضة الذي يضم باقي التنظيمات السياسية الاخري جميعا- على واقع الحركة الطلابية هو غياب مؤسسات الحركة الطلابية التي تمارس نشاطها من خلالها وتطور وتبرز امكانياتها كحركة طلابية للمجتمع الخارجي، هذه المؤسسات تشمل اتحاد طلاب جامعة الخرطوم والجمعيات الثقافية والفكرية واسر الكليات والروابط الاكاديمية والروابط الاقليمية والتي غابت عن الحياة الجامعية منذ مصادرة الجمعيات والروابط وحل الاتحاد عام 1992م، وعودة الاتحاد ثم مصادرته مة اخرى منذ عام 95 وحتى الآن. إن التغير الذي حدث على مستوى التركيبة العمرية للطلاب بالإضافة إلى انعكاسات الوضع السياسي والاقتصادي بالبلاد كان له الاثر البليغ على شكل الحياة الثقافية داخل الجامعة من جهة وعلى ثقافة الطالب على المستوى الشخصي من جهة اخرى، فتدهور شكل الحياة الثقافية كان نتاجا طبيعيا لسيادة ثقافة العنف مكان الحوار ومصادرة المؤسسات الطلابية المعنية بهذه الاهتمامات، مثل الروابط الاكاديمية والجمعيات الثقافية. وانعكست اوضاع العنف لاسياسي على ثقافة الطالب السياسية فافرزت الانصرافية والسطحية كأبرز سمات للطالب الجامعي الآن، ذلك في الوقت الذي تحدث فيه عملية استقطاب حادة تجاه ما يسمى (بثقافة الحضارة العالمية) والتي يتجه نحوها معظم قطاعات الطلاب كأبرز افرازات العولمة والثورة العلمية والتكنولوجية وثورة الاتصال والمعلومات، مما يخلق نوع من الانجذاب الوجداني تجاه هذه الثقافة ونوع من الارتباط والرغبة في ان يكون الشخص منتميا إلى هذه الثقافة وجدانيا وماديا ايضا، يبرز ذلك في الاتجاه العام لرغبات الشباب والطلاب بخصوص الهجرة والسفر كأهم وأول الخطط المستقبلية، وذلك على خلفية إحباط من الوضع السياسي والازمات الاقتصادية المتفاقمة يوما بعد يوم، بالتالي تلقائيا يتراجع الاهتمام بالقضايا العامة التي تخص الجامعة والوطن بصورة عامة. ……………………………………………………………………….. - المصدر : محمد الحسن النعمان، بحث تكميلي لنيل درجة البكاروليوس في العلوم السياسية، جامعة الخرطوم، 2000م