نواصل سردنا … تاريخياً من أين جاءت هذه العقلية الاقصائية المتجزرة في الطغمة الحاكمة، وقلنا اغلب الاحزاب وأغلب المثقفين الشماليين توارثوا النظرة الاقصائية منذ العشرينات بدايات تكوين الوعي الوطني وبدايات تكوين وتنظيم النضال الوطني، وبدايات الاتصال والالمام بالاحداث والنضالات في مشارق الأرض ومغاربها، في تلك العشرينات عندما تكونت الجمعيات والاتحادات الثقافية والفنية بامدرمان، كانت الصراعات العنصرية تعصف بجميعها. فالخلافات التي تم التستر عليها من قبل أغلب المؤرخين الشماليين كانت ترجع الخلافات تلك الى خلافات سياسية (الوحدة مع مصر او الاستقلال) فالخلافات التي عصفت بجمعية الاتحاد السوداني كانت عنصرية بحتة، وهذه الجرثومة التي انتقلت الى اللواء الأبيض وتم خيانة الثورة أيضاً كانت لأسباب عنصرية بالتالي استعلائية بالتالي اقصائية. فلا يمكن أن نضم الصراع الذي كان محتدم حينها بين علي عبد اللطيف وسليمان كشة إلا من هذا الباب ولا يمكن ان نفهم الصراع الذي ظهر فيما بعد في الموردة والذي قاده الأخوين عشري ضد الهاشماب الا من هذا الباب وانظروا كيف نعتوا علي عبد اللطيف ورفاقهم بالاضافة الى الخيانة والوشي بهم للسلطات الاستعمارية!! انظروا ماذا كتبت حضارة السودان وهي صحيفة السيدين (الأمة + الاتحادي) فيما بعد ماذا كتبت.. (لقد أهينت البلاد.. لما تظاهر احقر وأوضع رجالها دون أن يكون لهم مركز في المجتمع.. من هو علي عبد اللطيف؟؟ والى أي قبيلة ينتسب؟؟) هكذا قالت صحيفة السيدين عن الثورة الذي يتشدق بها السودانيون الآن. وهي الوحيدة التي حركت الحياة السياسية وحركت جمود الاستعمار، ونقلته الى محطات أخرى قدمت فيها العديد من التنازلات للسودانيين بما فيها الغاء قانون المناطق المقفولة الثورة الذي يتحدث عنها السودانيين الآن حتى يقول بعضها أين كان الجنوبيون عندما كنا نقاوم الاستعمار؟؟ هكذا قال احدى سياسي هذه البلد.. يا للعار أوليس الذي خرجوا بتظاهرة في العشرينات (كانوا أحقر وأوضع) الناس ليس لشيء إلا لأنهم لم يكون من القبائل التي تعود أصولها الى العباس!! فعلي عبد اللطيف وألماظ وغيرهم كانوا مسلمين بل كان بعضهم يمتلكون ناصية اللغة العربية وكانوا أفصح رجالات تلكم الزمن.. مثل الأخوين عشري.. من ينكر ذلك ولكن عندما تقول حضارة السيدين (من هو علي عبد اللطيف، والى أي قبيلة ينتسب؟) فهم على الرغم من قدراته الفذة الذي جعله يفرض سودانيته على الانجليز والذي كان عار على كل أصحاب الأصول العربية بأن ينسبوا أنفسهم الى السودان، هذا السوداني الأصيل الذي لم يعترف ولم يسجل في سجله أي قبيلة بل فقط سوداني، كان في نظر السيدين ومن تبعهم حينها فقط مجرد حقير ووضيع.. وليس أبن قبائل؟؟ وأي قبائل يفاخرونها!! وأي قبائل كانوا يعتبرونها ليست قبائل أنهم الدينكا والنوبة الذي جاء منهم علي عبد اللطيف أنهم النوير الذي جاء منهم ألماظ أنهم الزاندي أنهم الفراتيت أنهم الباريا وغيرهم وغيرهم.. هم “أحقر وأوضع” قبائل السودان بنظرة السيدين ومن شايعهم من مثقفي ذاك الزمان؟. فهل تغيرت هذه النظرة؟ لا بل هي هي كما كانت في العشرينات. وأحيلكم الى كتاب الحركة الاسلامية وكتابات أغلب من ينتسبون الى الأحزاب الأخرى إلا القلة أنها العنصرية يا هذا التي تجعل النظرة الاستعلائية والاقصائية هي المسيطرة على عقلية الطغمة الحاكمة أو ليس هذه هي المؤسسة الحاكمة امتداداً بل حامياً لمصالح “وجهاء الشمال” “وجهاء أمدرمان” الذين قاوموا محاربة الرق. وقد أحيلكم الى المذكرة المشهورة تلك الموجهة للسلطات الاستعمارية تطلب عدم الغاء تجارة الرقيق!! ليس لدي أي عُقد.. كما يتبجح بعضهم بأن الجنوبيين أسرى لعقدة الرق.. لا والف لا ليس لأنني مثلاً كان جدي “دينق كووي” كان لديه بعض الرقيق ويا للمفارقة ليس من بني جلدته بل من بعض البطون العربية.. أبناء وبنات العباس من خلال المعارك الشرسة التي كانت تقع بيننا مع القبائل العربية المتاخمة لمناطقنا ولم يكن هو فقط من يملك بل أغلب اشرس المحاربين حينها قبيلتي وفي ذات الوقت أسرى قبيلتنا كانوا يسترقوا عند الطرف الآخر فليس هناك عاراً أو عقدة يمكن أن تحركني أو تؤلمني بل في اعتقادي أغلب الجنوبيبن عندما يتحدثوا عن ذلك ليس من باب عقدة شخصية أو نفسية ذلك لأنهم أن كانوا رقيقاً أو أبناء أو أحفاد أرقاء لكانوا الآن في مناطق أخرى ولكانوا انقطعوا عن قبائلهم مثل الذين حدث لهم ذلك وعاشوا في المجتمعات التي استرقوا فيها.. ولكن عندما نتحدث عنها فاننا نفعل ذلك عندما نجد حتى الآن من يعتقد “بأنك” حفيد عبيد أو أنك في الأصل عبداً!! ليس لشيء بل لأنك أو لونك يتشابه ما استعبدوا في احدى الأزمنة. انه التخلف الذي يجعل من استعبد جده أسود البشرة ينظروا لكل صاحب بشرة سوداء بهذه الصفة، وفي نفس الوقت أنا الذي استعبد قبيلتي ابيلانق اناس قح أعراب وينتسبون ذواتهم لآل العباس.. أنا لا أنظر اليهم أو حتى معظم قبيلتي ابيلانق لا ينظرون الى القبائل التي جاورتهم وحاربتهم واسترقت منهم نساء ورجال لا ينظرون اليهم الآن بهذه النظرة والرنك ما بعيدة لمن يريد الاستوثاق.. ولكن التخلف والترفع الأجوف والجاهلية التي تمشي على رجليها مازال مسيطرة على عقلية المركز وينظرون للاخرين باحتقار ودونية وهو ما نتج عنه اقصاء الاخرين وهو ايضاً ما لا يمكن أن يجعلهم يتنازلون لأبناء هذه البلاد ويعترفون بهم كشركاء معهم في هذه البلاد… ونواصل…