كان من المفترض أن البي اليوم دعوةً لبعثة الأممالمتحدة في السودان ” يوناميس” بمناسبة اليوم العالمي لحقوق الإنسان، لكني قررت المقاطعة “الفردية” بعد أن رأيت على عدد من المواقع الإلكترونية مشهداً مصوراً على “اليوتيوب” يصور فتاةً سودانية تتلوى وتصرخ، وتقوم وتسقط من الجلد، حيث يقوم اثنان يرتديان زي شرطة نظام المجتمع بعملية الجلد وسط جمهرة محدودة من الناس، بينما يظهر صوت يردد” وليشهد عذابهما طائفةً من المؤمنين” في إشارة إلى حد الزنا، إلا أنّ الفتاة تظهر وهي ترتدي “بنطال جينز تحت عباءة بعد أن سقطت أكثر من مرة، بطريقة مؤلمة، ومفجعة، ولا يمكن أن يتحمل القلب السوي رؤيتها. إنّ الواقع يؤكد وقوع حالات جلد يومية، حسب يوميات تحري الصحف الاجتماعية، وهو أمر معروف، ولا يخجل منه دهاقنة المشروع الحضاري، إلا أن نشر الصور؛ يعكس “سادية وبشاعة” حيث يقف شابان، وكل منهما في يده سوط طويل، ويتناوبان في عملية جلد الشابة، فوق ظهرها، وصلبها، وأرجلها، وربما وجهها وصدرها، بلا رحمة، أو رأفة. وربما تكون العقوبة قد نفذت بسبب “الزي الفاضح” على حسب المادة (152) من قانون الجنايات المعيب، والذي استخدم عقوبة الجلد في عدد من “الجرائم”، أو ما يفترض، أو يفسر بأنه جريمة” مع العلم أنّ الجلد في القرآن الكريم ورد في حدود السكر والزنا والقذف، أمّا عدا ذلك فهو “اجتهاد ” من بشر عاديين، يريدون به قمع الناس، وإرهابهم، وإذلالهم حتى يشعرون بالانكسار الكبير، والهزيمة النفسية، وبالتالي الخنوع والخضوع للنظام الاستبدادي، وهو أحد الأساليب النفسية المتبعة في كثير من أجهزة الاستخبارات العالمية. وبكل حزن فإنّ هناك من يعيد فينا سيرة طالبان يومياً، مع سبق الإصرار والترصّد، والإحساس بالفخر وهم يرون “الضحايا” يتلوون من الألم”، وبكل حزن فإنّ هناك من يريد للخرطوم أن تكون مثل كابول في أزمنة الحكم الطالباني، ويريدون أن يتلذذون بقصص مثل هذه القصة المأساوية، التي روتها إحدى الناطشات الأفغانيات أيام حكم طالبان في إحدى المنظمات السرية حيث تروى فريشتا: اعتادت طالبان في كل يوم جمعة، أقفال المحال التجارية والشوارع في كابول وإلزام كل الناس، بمن فيهم الأطفال، التوجه إلى الملعب المدرّج للتفرج على إحلال عدالة طالبان في مشاهد لا يمكن وصفها إلا بالوحشية. شاهدت سارقين تقطع أيديهم ويعلقون ساعات على الأشجار، علماً أنّ حكم طالبان أوصل هؤلاء إلى فقر مدقع ودفع بهم إلى السرقة، شاهدت نساء يرجمن بالحجارة حتي الموت لرفضهن زيجات مدبّرة، شاهدت فتاة في السادسة من عمرها تتعرض لضرب مبرح لمجرد أنّها تجرأت علي حمل كتبها المدرسية في الشارع، شاهدت شاباً يدفن حياً مع ابنة عمه لأنّهما شوهدا معاً في السوق… قادة طالبان يخطفون الفتيات ويغتصبونهن فتصبح الضحية مجرمة، ينبذها المجتمع ويتبرأ منها ذووها. وتضيف فريشتا: في كل مرة أشهد فظائع طالبان، أكاد أصاب بإغماء، ولكني سأواصل عملي طالما أنا قادرة على نقل حال شعبي البائس إلى العالم. آمل أن أعيش لأشهد إقصاء هؤلاء المجرمين عن الحكم. وقد طرح المشهد المأساوي، ولو صح، وهو ما يتطلب تحقيقات فورية، ومن جهات الاختصاص، للتأكد من صدق هذا المشهد، وطريقة تنفيذ الجلد، مثلما تثير مزيداً من التساؤلات حول أوضاع حقوق الانسان، وأوضاع النساء، وما يدور في داخل أضابير محاكم التفتيش، لأنّ المشهد لو صح فقد نقل ” فضيحة مدوية تضاف إلى سجلنا الحافل في حقوق الإنسان، وكل سنة والإنسان بخير.