في اليوم الثاني للقاء الدوحة التفاكري الذي جمع خمسين من المفكرين والمثقفين في الفترة 22-24 سبتمبر الجاري تم نقاش التجارب العالمية والوطنية وتجارب المجتمع المدني فيما أطلق عليه (عناق الآخر) . وفي اليوم الثالث نوقشت سيناريوهات الخروج من النفق، ومشروع الإجماع الوطني الذي اقترحته لجنة انتخبت لصياغته من بين المشاركين. وكانت (حريات) نشرت أمس ملخصا لما دار في اليوم الأول للقاء، وقد نما إلى علمها أنه ومنذ اليوم الثاني، الموافق 23 سبتمبر تمت تسمية لجنة لصياغة مشروع الإجماع الوطني رئيسها الأستاذ محجوب محمد صالح وفي عضويتها كل من الشفيع خضر، خالد التجاني النور، أحمد حسين آدم، الواثق كمير، أبكر آدم إسماعيل، رباح الصادق، سيد خضر أبو سيف، ومضوي الترابي، وكانت اللجنة قد اجتمعت ووضعت إطار المشروع الذي لخّص أهم القضايا التي يجب نقاشها وهي: بناء دولة المواطنة، السلام العادل والشامل، والتحول الديمقراطي الحقيقي. ولدى نقاش مسمى المشروع وبعد نقاش تم استبعاد العديد من المصطلحات التي ارتبطت بسوابق فاشلة أو حزبية، وفي النهاية تم الإجماع على مسمى: مؤتمر المائدة المستديرة، وذلك للدور الرائد الذي لعبه المؤتمر في ستينات القرن الماضي في جمع السودانيين كلهم بدون عزل لأحد، وعبر المجتمعون عن الارتياح للمسمى كذلك للدور المهم الذي لعبته النخبة المثقفة في ذلك المؤتمر. وقد خرجت عن لجنة الصياغة مسودة تناولها المشاركون في اللقاء التفاكري بالتجويد في اليوم الختامي للقاء حتى خرجت في شكل (نداء إلى أهل السودان) كانت (حريات) نشرته حال صدوره. التجارب العالمية في عناق الآخر في اليوم الثاني للقاء تم نقاش التجارب العالمية في عناق الآخر، وذلك بالإشارة لتجارب جنوب أفريقيا، الولاياتالمتحدةالأمريكية، أسبانيا، المغرب، تشيلي والأرجنتين. وطُرح التساؤل: لماذا تنجح دول وتفشل أخرى في جمع مكوناتها الداخلية وعناق الآخر؟ مع ملاحظة أن جملة عناق الآخر مشحونة بالعاطفة وتحتاج لتعريف الآخر والذات وهل هو الجندر أم العرق أم الطبقة أم القومية على ضوئها يمكن تتوالد اخريات. قبل فترة زملائنا من الجنوب كانوا اخر داخلي والان هم آخر خارجي، وفي الاتحاد الاوربي هناك اخر خارجي يتجه لأن يصبح داخليا. هناك مجتمعات وجدت طريقة تعالج مكونات ليست من خياراتها (الجنس، الطبقة، الإثنية) فأدارت المسالة بطريقة سحرية. لا توجد قوانين للإدارة الجيدة للتنوع ولكن هناك مؤشرات ممكن استيلادها من التجارب العالمية هي: - التجانس او التقارب بين النشاط الاقتصادي الاجتماعي بين المواطنين وبين تجديد الحياة المادية الاجتماعية الاقتصادية والمشاركة في اتخاذ القرار، أي يجد كل شخص نفسه في مرآة المجتمع. - استعادة المركز- الآخر- لاعادة البناء واعادة التعريف. لا بد من وجود مركز في أي بلد ففي الولاياتالمتحدة مركظ وفي جنوب افريقيا، ويجب ان تكون هناك قدرة لإعادة التعريف لاستصحاب الجميع. - قيادات ذات رؤية بعيدة المدى تستطيع ان تجسر العلاقة مع الآخر. التجارب المذكورة كل تجربة لديها قيمة مضافة: في الولاياتالمتحدة العناق ليس للعواطف بل ايضا للمصالح المعانَق والمعانِق لديهم مصلحة مشتركة وانتهت الحرب الاهلية لمصالح متبادلة بين الجنوب والشمال وكذلك جنوب افريقيا. تجارب الأرجنتين وتشيلي تمت فيها مقايضة للسلطة من قبل الانظمة العسكرية بدرجة من العفو، وساعدتها قوة الدفع الذاتي الناتجة مما تم خلال النظام العسكري تم تدريب كوادر مؤهلة ساعدت في الانتقال فيما بعد. والدروس المستفادة من تلك التجارب: - أن الكل لا بد ان يكسب من هذا العناق. Win-win القوى الحاكمة يجب ان تجد ما يساعدها على التنازل. - بالنسبة لتجربة العناق هناك تقاليد وطرق ومواريث المجتمعات كالجودية. - لا توجد روشتة جاهزة وكل مجتمع عليه ان يجد طريقته ويفك شفرة عناقه بالآخر. وركزت مداخلة الأستاذ كمال الجزولي على مسألة العدالة الانتقالية. (تنشرها حريات كاملة اليوم) كما ركز متداخل آخر على تجربة جنوب أفريقيا وكيف تم فيها تجاوز المرارات الماضية وقامت على استصحاب المنتهكين وعدم الانتقام منهم، ذاكرا أن هذا مطلوب في التجربة السودانية. واستمع المشاركون لمداخلة حول تجارب سابقة في العدالة الانتقالية، وكيف أنه في الحالات التي تمت فيها مخاطبة المظالم والضحايا بنوع من الإنصاف يمكن للضحايا التعايش مع الماضي وقبوله، وفي حالة عدم مخاطبة المظالم والانتهاكات فإنه حتى لو نسيها الذين عايشوها فإنه تنشأ أجيال جديدة تسمع الروايات وتشعر بالمرارة وأن الأمر لا يمكن طي صفحاته إلا بمخاطبة العدالة بنحو من جبر الضرر ونشر الحقيقية. ومن التجارب ما حدث في مصنع البطاريات في سربنتسيا، وفي أرمينيا، وفي كمبوديا، وفي رواندا، وألمانيا، والصين، وتلك التجارب تؤكد أن إبراء الجروح والمرارات مسالة مهمة جدا. مسالة التعويضات وجبر الضرر لا تعني التعويض المادي فقط بل المادي والمعنوي والاعتراف والاعتذار ومحاكمة المنتهكين. هذه التجارب تؤكد أن الذين حدثت لديهم مخاطبة للعدالة الانتقالية كانوا اسرع في الانتقال وطي المرارات، والذين لم يحصل لهم مخاطبة فإنه مع السنين لم يتم القضاء على المرارات، والتأكيد أننا ونحن نستشرف الحل الشامل يجب ان يكون لدينا الاستعداد لمخاطبة الانتهاكات والعمل على برئها. سيناريوهات الحل ناقش الملتقى عبر عدد من المداخلات والتعليقات من الحضور سيناريوهات الخروج من النفق، وكان من بينها مداخلة رباح الصادق التي (نشرتها حريات كاملة أمس) منادية بجلوس الجميع في حل قومي وليس ثنائيا. وكان هناك رأي من متداخل بأن المشكلة ليست في التفاوض الثنائي، فالحركة الشعبية تتحدث عن تنوع هي ذاتها تعبر عن كل السودان وكذا المؤتمر الوطني، ويمكن ان يكون الاتفاق ثنائيا فليست المشكلة هل هو ثنائي أم قومي، ولكن الاشكال كيف نحافظ على اي اتفاق، في الديمقراطية الثالثة وقعت الأحزاب ميثاق الدفاع عن الديمقراطية ولكن لم يخرج احدا لم يكن لها بواك. وأن المجتمع الدولي يخدم مصالحه يمضي مع المعارضة ويبيعها في اول منعطف ومع الحكومة ويبيعها كذلك في أول منعطف، وهمه الان الجنوب وليس الشمال وهو مستعد لأن يبيع حقوق الانسان وكل القضايا من اجل مصالحه، ويجب ألا نرهن اي حل للمجتمع الدولي بل نقترح ما هي الاليات والوسائل التي ندافع بها عن اتفاق مانع جامع. وفي المقابل برز رأي قوي من بين المتداخلين الآخرين يرفض أي اتفاقية ثنائية اخرى مع “الانقاذ”، وتأكيد أن إقصاء الأحزاب من نيفاشا كان باتفاق المؤتمر الوطني والحركة الشعبية والمجتمع الدولي فثلاثتهم اتفقوا على إقصاء الأحزاب من التفاوض وهذا من مشاكل التسوية التي جرت وهي أنها ليست قومية ولم يشترك فيها الجميع. وركز متداخل على أن المفاوضات تنصرف لقضايا لا تهم صاحب المشكلة، وأن الاستمرار في طرح القضايا الانصرافية سوف تجعل كثيرين يهجرون البلد ويبحثون عن سودان اخر يرضي طموحهم. وردا على ما قيل من أن المجتمع الدولي غير مأمون قال متداخل إن 35% من مواطني السودان يؤكلهم ويلبسهم ويؤمن معيشتهم المجتمع الدولي، وهناك عشرات الالاف من جنود المجتمع الدولي في السودان، وقال إن الاخ عبد الواحد نادى بانفصال دارفور. امي قالت: الزول بنفصل من روحه؟ ولكن للأسف إذا تم الإصرار على النهج الحالي فالانفصال ربما يكون هو الحل. وقال متداخل آخر إن اتفاقية الشرق كانت اتفاقية زائفة بين اجهزة المخابرات في اسمرا وفي الخرطوم، وجبهة الشرق والبجا المشاركين فيها لم يكونوا مشركين ولا كانوا يعرفون شيئا كان جنودهم لا يتعدوا ال 1400 جنديا فيهم اطفال وعشية الاتفاقية كانت العربات تحمل من بورتسودان مجندين يعدونهم بمكتسبات بعد ان يعودوا بعد الاتفاقية. فهي كانت مسألة مطبوخة. وتمت الإشارة لسيناريوهات عديدة كالانقلاب داخل النظام نفسه، أو سيناريو الفوضى بانفراط الأمن في أرجاء البلاد. وجرى تحليل دقيق لحالة المعارضة والأحزاب فيها ولوضع الجبهة الثورية والمؤتمر الوطني وتم التأكيد على أن الجميع يعاني من مشاكل متعددة. وأن أي سيناريو سيجري تعتمد على المعطيات الداخلية للقوى المختلفة، وكان هناك رأي أنه لا يمكن أن يحدث اختراق باتجاه الحل الشامل إلا أن يحدث تغيير في ميزان القوى لصالح المعارضة، بما يجعل المؤتمر الوطني يترك تعنته. وحول سنياريو الانتفاضة تم تناول التظاهرات الأخيرة وأنها وإن لم تؤد للانتفاضة لكنها أثبتت جسارة الشباب وارتباطهم بتصميم وعزم كبيرين للتغير وأن هذا السيناريو ما زال قائما ومحتملا بشكل كبير خاصة في ظل تواصل تدهور الأوضاع الاقتصادية وزيادة معاناة الجماهير. وبرز رأي آخر يقول إن الحل ليس في الثورة فسوف تعيد إنتاج ما حدث في مصر، ولا في الثورة المسلحة لأن انتصار الجبهة الثورية بتكوينها الحالي سوف يخلق مخاوف من عنصرية ويعزل الوسط النيلي من التغيير، وأن الحل الوحيد هو أن تنشأ حركة مسلحة من الشمال النيلي وتنضم للجبهة الثورية وهنا سوف تزول المخاوف، وبالتالي فإن الحرب الشاملة صارت هي الوسيلة الوحيدة لتوحيد السودان اليوم. وفي النهاية كان الاتجاه السائد هو أنه مهما كانت السيناريوهات التي ستحدث فإن دور المثقفين يفرض عليهم التدخل لصالح أفضل السيناريوهات، وهو الحل السلمي القومي المتفاوض عليه. والذي اتفق على أن يكون في شكل مؤتمر مائدة مستديرة يدعى له الجميع ولا يقصى منه أحد.