يزور الرئيس عمر البشير غداً جوبا وتعتبر هذه الزيارة الأخيرة قبل أن يذهب الجنوبيون إلى صناديق الاستفتاء ليعلنوا الاستقلال كما هو واضح.. وقد اهتمت حكومة جنوب السودان بهذه الزيارة وحاولت أن توفر لها الأجواء الصحية، أعني أن تكون الأجواء السياسية غير متوترة بين الحزبين حتى يصل البشير إلى جوبا “رايق المزاج” طبعاً سياسياً… على الرغم من وجود العديد من القضايا التي يمكن تعكر صفو هذه الأجواء خاصة القضايا السياسية والاقتصادية والأمنية وحتى الاستراتيجية التي تناقش تحت بنود قضايا ما بعد الاستفتاء.. فلماذا يا ترى تهيئ حكومة الجنوب الأجواء وتهتم بهذه الزيارة أكثر من السابقات التي كان يُستقبل فيها البشير باليافطات العدائية التي كانت ترفعها المنابر الانفصالية المتعددة التي لم تكن الحركة الشعبية من ضمنها. لماذا يا ترى شكلت حكومة الجنوب لجنة وزارية لهذا الأمر ولماذا طلبت من حكومة الولاية بأن تعتني بهذه الزيارة وتحشد لها المواطنين؟ هل هناك رسائل ترغب حكومة الجنوب في أن ترسلها للخرطوم.. مثلاُ كالجيرة الطيبة والآمنة التي يمكن أن تعود بالنفع للأطراف جميعها بدلاً عن المؤامرات التي كانت تقوم ولازالت تقوم بها الحكومة في الخرطوم لدعم المتمردين أو لخلق متمردين آخرين ضد حكومة الجنوب، ولإظهارها بأنها لا تستطيع أن تتحكم في الإقليم وأن تصنع اضطرابات في الإقليم حتى لا يقوم الاستفتاء، وهي أمور كما ترى فشلت فيها الحكومة في الخرطوم، وأدركت الحكومة أيضاً أنّ حكومة الجنوب إذا أرادت الشر بالخرطوم فبمقدورها فعل ذلك، وأن تأثيرها أكبر وأسرع وأنجع لأسباب عسكرية عديدة نمسك عن إيرادها الآن. هل ترغب حكومة الجنوب في أن يأتي البشير إلى الجنوب ويقدم ما هو مطلوب الآن أن يقدمه وفي أجواء صحية حتى تنفرج العلائق المحتملة بين البلدين إلى علائق صحيّة وجيّدة؟؟ لقد حاولنا أن نعرف ما يحمل البشير معه إلى جوبا الآن؟؟ والتفاوض في كل القضايا قد وصل لطريق مسدود، فأبيي كما هي.. والسبب هو المؤتمر الوطني الذي يرغب في أن تتنازل الحركة الشعبية له في ملفات أخرى مثل البترول وهي أهم قضية لدى المؤتمر الوطني الآن، والحركة الشعبية التي تتوقع أن يتنازل المؤتمر الوطني بالمناورات المكشوفة في قضية أبيي فقد أصبح الأمر واضحاً الآن بعدم إمكانية إجراء الاستفتاء في أبيي لاستحالة قيامه في 9 يناير فإن الخيار الصحيح والمطروح هو أن يتم إرجاع أبيي إلى الجنوب بقرار رئاسي كما تمّ ذلك في عام 1905م.. فالكل يعلم بأنّ إتباع أبيي إلى الشمال في عام 1905م لم يتم باستفتاء بل فقط كان مجرد قرار إداري.. و المطلوب الآن أن يتم ذلك وفي هذا التوقيت بالذات، ولكن المؤتمر الوطني الذي وافق مبدئياً على ذلك يرغب في أن يكون له مقابل لذلك في بترول أبيي، وكذلك بترول الجنوب.. وهي قضايا شائكة ومعقدة.. ولكن يمكن أن تحل بأن يتنازل المؤتمر الوطني عن الطمع والجشع الذي يسيطر على قراراته السياسية والاقتصادية والاستراتيجية حتى!!! الحركة الشعبية لها الاستعداد بأن تقدم تنازلاً عن بترول أبيي ولكنها في ذات الوقت ليس في استطاعتها فعل ذلك في بترول الجنوب على الإطلاق وما اتصالاتها المتكررة مع شركة تايوتا والشركات الصينية لتنفيذ خط بديل لأنابيب البترول إلا دليل قاطع على ذلك، فهي ترغب في أن تتخطى ابتزاز المؤتمر الوطني لها لوجود أغلب البنية التحتية لصناعة وترحيل البترول في الشمال.. كذلك التطمينات التي قدمتها الدول الغربية والبنك الدولي في أن يستقل الجنوب عن الشمال في تصدير البترول بأسرع ما يمكن… ولكن هذه قضايا تحتاج لقرارات مستعجلة. نعود لزيارة البشير التي اهتمت بها حكومة الجنوب لدرجة أن طلبت من برلمانييها بأن يحاولوا التوافق مع المؤتمر الوطني في البرلمان بخصوص تمديد الدورة وأن تكون جبهة البرلمان هادئة حتى بعد زيارة البشير!! وهو ما حدث بالضبط فهل فعلاً يحمل البشير شيئاً ذا قيمة للجنوب؟! أم أنه سوف يبيع الأحلام كما فعل حزبه طيلة ال 6 سنوات السابقة.. فقط إطلاق الوعود والسراب ولاشيء على الإطلاق… وغدا لناظره قريب فسوف يعلم الجميع هل كان الاهتمام بقدر الحدث أم مجرد تقديرات لا أساس لها من الصحة فالمؤتمر الوطني الذي يعطى إشارات محددة.. وعند التنفيذ يتفاجأ الناس بأنّها لم تكن إلا تخدير للناس وامتصاص لضغوط محددة ألمت به فقط.. وبعد ذلك تعود (حليمة لقديمها). إن أغلب المتفائلين “يشطحون” بأنّ البشير في زيارته الأخيرة يحمل معه ما يمكن أن يدفع بالعلاقات المستقبلية بين الدولتين إلى الأمام.. فهم يحلمون بأنّه سوف يعلن من جوبا حل معضلة أبيي بتبعيتها للجنوب بقرار رئاسي أو إداري كما ضمت للشمال.. وكذلك القبول بالحقائق والوقائع المثبتة بالوثائق بتبعية مناطق جودة وشالي الفيل وكاكا وخرسانة وحفرة النحاس إلى الجنوب، وأنّها عربون لكي يفتح الجنوب حدوده للرعاة وحرية التنقل، وقيل إنّ المؤتمر الوطني قدم مقترحاً أيضاً بأن تتم مراقبة الحدود المشتركة بالجيش المشترك إمعاناً في اطمئنان الجانبين ولكني أقول لكم.. أعني الحالمين احلموا كما تشتهون.. ولكن هذه القضايا لا يمكن أن يتوقع من المؤتمر الوطني أي حسنة نية فيها مهما كان… فهم تجار سوق كما هم تجار دين.. وما إذا لم تدفع حكومة الجنوب مقابل ذلك- ولا أعتقد ذلك- فهل حكومة الجنوب جاهزة للدفع؟؟ فإذا كانت الإجابة بنعم فإننا نتوقع خيراً، أمّا إذا كانت لا فإذن لا شيء… فقط أفسحوا له الميدان وارقصوا معه جميعاً وكل لجنة ترجع لمواقفها القديمة… ولا جديد ولا أحلام ولا يحزنون..