حيدر أحمد خير الله الأول من يناير ذكرى إستقلال السودان ذلك الإستقلال الذي لم نبذل فيه من التضحيات ومن الدماء ما يجعل نخبتنا وشعبنا حريصون عليه ونتيجة لذلك لم ننجح في الحفاظ على قيم الإستقلال ولا على جغرافيا الوطن، وعندنا أن الإستقلال جسد روحه الحرية، وجسدنا إعتوره من الجراحات ما وصل به حد البتر.. أما عن روحه فهي تتحشرج هوناً ما.. جراء الكبت والقهر والسلب.. والنتيجة: مزيد من الإحتراب وكثير من التشتت.. وتتمدد سنوات التيه في فلوات السودان.. فيوم إستفحل الصراع بين المؤسسة العسكرية والسياسية في سبعينات القرن الماضي حكمت المحكمة العسكرية بإعدام المرحوم عبد الخالق محجوب في حكم سياسي وإنفعالي فقدنا فيه مفكراً في قامة فقيدنا.. يومها علق المرحوم محمد أحمد محجوب قائلاً اليوم نهاية التسامح السياسي في السودان!! وطيله الفترة المنصرمة من مسيرة أمتنا ونحن نعمل على أن نفرغ كل شئ من محتواه، الوطن لم يعد يسعنا.. وعجزنا عن أن نحتمل بعضنا.. بل أصبحنا نجيد فنون التربص ببعضنا حتى تفلَّت منا أدب الحوار ناهيك عن أدب الإختلاف… وشعبنا الصابر ينظر لأفاعيل النخبة بصبر لا مثيل له وجل شعبنا اليوم هم ممن أُحبِطوا في ثورتهم الرائدة في أكتوبر 1964م .. وممن كوتهم سنوات القهر في مايو فثاروا عليها في إنتفاضة أبريل1985م وفجعوا فيها أيما فجيعة وزهاء ربع القرن الماضي تحت حكم جماعة الإسلام السياسي تكون حقول التجريب قد إكتملت دائرتها.. ودوماً نكتب بأننا محتاجون لثورة فكرية عاصفة تجتث كل المنظومة بلا إستثناء.. والحمد لله أن في بلادنا اليوم لم يعد فيها ما يغري نخبتها بالتكالب عليها.. وخطاب السيد الرئيس بمدينة الروصيرص بلهجته الهادئة يصب في خانة حاجتنا للتوقف أمام فشلنا.. رغم أن اللغة الهادئة جاءت في مناخ عاصف من موجة إنحسار الحريات العامة، ومصادره حق التعبير، وإغلاق مراكز الدراسات السودانية ومركز الخاتم عدلان ومنع الوقفات الإحتجاجية والإعتقالات، ومصادرة كل ما أعطاه الدستور الإنتقالي 2005م.. ففي ظل.. الفقر المتفاقم.. وإشتعال الأسعار.. وإنهيار الإقتصاد.. وتوقف عجلة الإنتاج.. والحروب التي تأتي على الأخضر واليابس كل هذا يؤكد أن الأمر يحتاج من الحكومة أن تستدعي الحكمة.. وأن الوصاية السياسية لم تعد تملك مخرجاً لواقعنا المتردي.. وفي تقديرنا أن حديث السيد رئيس الجمهورية عن الدستور ودعوته لمشاركة كل الأطراف والقوى فيه هي دعوة جيدة ومقبولة إذا كانت هي الأولوية… فأهم من الدستور الرغيفة.. وفي الفقه القانوني لا رأي لجائع لا يمكن أن ننظر إليه بأكثر من أنه إلهاء عن المأساة، الفوضى الضاربة في تعليمنا.. والكوارث في صحتنا.. والجوع في بطوننا، والفساد في ساستنا، والإختلال في قيمنا.. والحروب التي تلقي بظلالها على كل مسيرتنا تعويقاً ورجوعاً بما بلغنا عبر دهور.. في مثل هكذا واقع لن يكون الدستور والخلاف حوله أو الإتفاق هو الواجب المباشر.. إنما الواجب المباشر أن نجلس معاً.. لنجيب على سؤال لماذا فشلنا؟! ولنسأل سؤالاً جمعيّاً من هو الرجل الذي بلغ الكمال ليؤتمن على حريات الآخرين؟! المخرج واحد على مرحلتين: المرحلة الأولى أن توقن الحكومة والمعارضة والنخبة بأنهم ليسوا على شئ!! والمرحلة الثانية هي مرحلة إسقاط نظامنا السياسي المهترئ.. وليتحقق ذلك على الحكومة أن تهيئ الأرض بإشاعة الحريات العامة، ومواجهة الأزمة الإقتصادية وتمليك الشعب حقائق مشاكل الإقتصاد والسياسة هذا وحده الذي يجعل عامنا هذا عام بداية التسامح السياسي.. وسلام.. يا وطن