زووم ابوعاقلة اماسا الأندية الكبرى لا تتثائب..! كثيراً ما قرأنا أو سمعنا عبارات في حق بعض الاندية الكبيرة في العالم أنها تمرض ولكنها لا تموت وأضيف عليها أن الأندية الكبرى (لا تتثاءب)، وهي ذات دلالات وإشارات ومكنونات ومعاني كبيرة جداً أولها أن هذه الأندية من حيث البناء الإداري قوية كفاية لدرجة أنها تتعرض للإخفاقات والوعكات تباعاً، ولكنها تتعافى وتعود بسرعة، محتفظة بكامل هيبتها، والنادي الكبير لا يسقط كما الأندية الصغيرة، أو يكون حبيس المراكز المتأخرة في الترتيب بل مسكنه يكون في القمة دائماً ولا يرضى بغير القمة، وفي الوقت الذي يكون فيه غيره في صراع مستمر مع هموم متواضعة، يتجاوز النادي الكبير ليفكر في قفزات تخرجه من مدار الصغار إلى آفاق لا يحلم بها إلا أمثاله، فمن حيث السلوك الإداري ترتكز الأندية الكبيرة على جملة ثوابت في الهيكل على سبيل المثال، ومن ثم لوائح وتقاليد وضوابط تسهل من إنسياب العمل بعيداً عن الصدامات والأزمات والجدل الذي يضيع الكثير من الوقت بلا طائل… وفي الأندية الكبيرة أيضاً تجد أنهم يعتمدون مواصفات محددة لتسجيل اللاعبين، ومهما بلغت موهبة اللاعب فإنهم يبحثون فيه عن مواصفات بعينها وإذا لم تتوفر فيه يصرف النظر عنه في مراحل مبكرة جدا.. وفي الأندية الكبرى تتوزع الأدوار بعناية حيث الإداري إداري بالوصف الوظيفي الدقيق لمنصبه الذي يشغله، والصحفي صحفي يتبع لمؤسسته الإعلامية التي تدفع له رواتبه، والمشجع مشجع مقيد بدور مرسوم له ولا يتجاوزه لمضايقة الإدارة مثلاً أو ليجادل الصحافة فيما تكتب، ولا يتخذ القرار الفني إلا المدربين ومعاونيه. الأندية الكبرى لا تتثاءب.. نعم.. بمعنى أنها لا تصاب بالوهن والهوان مهما حدث فيها من إضطرابات.. ولذلك كله حاصرت محدثي داخل نادي المريخ بجملة من الأسئلة وعلى رأسها: هل المريخ والهلال ناديين كبيرين من حيث الممارسة الإدارية والجماهيرية، فجاءت الإجابة شافية وكافية بالنسبة لما يجول في خاطري.. فقد قال: المريخ والهلال ناديين كبيرين من حيث السمعة والمكانة، محلياً وإقليمياً.. وكبيرين من حيث عدد الأنصار.. ولكنهما في السلوك الإداري ما يزالان صغيرين، وبينهما وبين الإحتراف والرخصة مسافات بعيدة، وما لم يصحوا لوضع برنامج صارم للإرتقاء بأسلوبهما الإداري إلى حيث يواكبا العقلية الإحترافية فإن طوفات المتغييرات سيجرفهما، وسيسقطا بسهولة أمام أية قوى حديثة تتحرر من التقليدية في إدارة الأندية إلى الإحترافية.. وسيكونا مرغمين في مغادرة القمة إلى أسفل. هذه الإجابات تطابقت تماماً مع ما يجول عندي منذ سنوات، وحاولت مراراً أن أصيغه في رسائل مباشرة لإدارات المريخ المتعاقبة، منذ أيام رئاسة الدكتور الراحل تاج السر محجوب، والذي كنت معجباً بأسلوبه وحريصاً على حضور التنوير نصف الشهري الذي كان يعقده للصحفيين بمكتبه لأنه كان يحمل أفكاراً سابقة لذلك الزمن.. وحديثه العميق عن التخطيط في إدارة المؤسسات الرياضية كان في وقتها جديداً على الناس فلم يستوعبوه.. وكنت أغامر وأخوض نقاشاً مع الزعيم محمد إلياس محجوب في نفس القضايا، ولأنه كان رجلاً ديمقراطياً كان أفضل ما يفعله هو تنبيه الناقد للمعلومات الخاطئة وتمليكه المعلومة الصحيحة وهذا حق للطرفين… لذلك ما زلنا ننظر للثلاث سنوات التي قضاها رئيساً نموذجاً للإدارة الواقعية التي تنبني على مفهوم إدارة النادي حسب الموارد المتوفرة، والتركيز على تنمية الموارد المالية بإقامة إستثمارات متعددة في مجالات لا تتأثر بالمتغيرات الرياضية.. أزمة المريخ اليوم – في رأيي المتواضع – تقوم على حقيقة مهمة جداً، وهي أن الفترة السابقة التي تدفقت فيها الأموال شهدت تدافعاً تجاهل فيها الناس الكثير من القيم التي ذكرناها في بداية المقال.. تلك القيم التي تشكل النادي الكبير، ورأينا الكثير من التجاوزات والإختراقات التي وضعت كألغام كنا على ثقة في أن يوم إنفجارها سيأتي، ومثال لذلك أن الأمور كلها كانت تسير نحو أن يصبح نادي المريخ قطعة قماش تفصل على مقاس رئيس بمواصفات نادرة وإستثنائية، رئيس ثري ومتسامح مع المفسدين.. وسخي في كل المشروعات التي توفر لهم الكوميشنات.. رئيس يتولى فعل كل شيء بنفسه، وإن غاب تتوقف كل الأشياء، رئيس ترسم له صحف النفاق الرياضي صورة ذهنية لدى القراء على شاكلة بالونة تنفخه بالهيدروجين حتى يصبح حجماً ظاهرياً أكبر من كل شيء.. حتى النادي.. ويتحول في كثير من الأحيان إلى آلهة يعبده البعض على غرار هبل واللات والعزى.. ولأن زمن المجاهل قد ولى فإن جمال الوالي نفسه قد إختار أن يغادر لأنه في واقع الامر ليس بهذه المواصفات، وإنما كان إنساناً بسيطاً أراد أن يقود المريخ إلى مصاف الأندية الكبيرة بحسب ما رآه صحيحاً… وفق في كثير.. وأخفق في كثير.. وبقي نادي المريخ هائجاً مائجاً يبحث عن مواصفات رئيس في الخيال.. يطعم البعض في أفواههم.. ويسارع لمرضاهم ليرعاهم بالمكمدات الباردة حتى تتنازل درجات الحمى. نادي المريخ نادٍ كبير وينبغي أن يظل كبيراً.. ولو أدرك غالبية الذين افتعلوا هذا الضجيج أنها حقيقة لابد منها سنجد أن كل مشكلات المريخ محلولة وهنالك خارطة طريق واضحة المعالم لمغادرة دائرة الأزمات.. فالمريخ وطن شاسع يملك ثروة بشرية لاتقدر بثمن.. ويقع فوق أرض وتحت سماء.. وهذه السماء لا تمطر ذهباً.. بل هي بحاجة إلى من يفلح أرضه لكي تمطر السماء وتسقيها وينبت الرزق فنحصده في نفير يشارك فيه الجميع.. المريخ في إنتظار إدارة تضع خططاً طويلة ومتوسطة المدى ترمي إلى تحويله من نادٍ يعتمد على جيوب الأفراد إلى مؤسسة لها مداخيلها ومشروعاتها وعقليات تديرها على أساس الربح والخسارة.. والحقيقة المرة التي لابد من الإزعان لها ان هذا المفهوم هو جوهر التوجه العالمي الآن.. وهو ما تحمله لنا قصة رخصة الإحتراف.. بمعنى أن هنالك خياران فقط لا ثالث لهما.. إما إعتناق هذا… أو الطوفان…! حواشي قلت أن نادي المريخ كبير إسماً وقاعدة.. ولكنه في الأسلوب الإداري ما يزال متساوياً مع أندية الولايات البعيدة والمغمورة.. والدليل على ذلك أنه الآن عبارة عن رمال متحركة.. وكل أصحاب المناصب والوظائف فيه قابلين للتغيير بجرة قلم.. إبتداءً من الرئيس وحتى أصغر عامل… ويمكن أن يحدث بناءً على مزاج فرد بدون لوائح وقوانين تحمي الكيان والفرد من أمزجة البعض…! أسهل شيء يمكن فعله في المريخ إقالة المدربين.. مع أن هنالك حقيقة كنت أرى أنها كفيلة بردع المتفلتين، وهي أن المريخ خرج من كل المواسم التي تمسك فيها بمدرب واحد بإنجاز يذكر.. وسأذكركم.. في موسم 2007.. وهو الموسم الأول الذي قرر فيه جمال الوالي أن يتمسك بمدرب واحد فانتهى ببلوغ الفري نهائي الكونفيدرالية مع بقاء حظوظه في لقب الدوري حتى المباراة النهائية.. في موسم 2008 حافظ النادي على مدربه كروجر حتى النهاية وكان الحصاد أن حصل على الدوري الممتاز وبلغ مجموعات الأبطال للمرة الأولى في تأريخه… في موسم 2011.. مع المصري حسام البدري حصل الفريق على الدوري الممتاز، ولولا الأخطاء الفردية من بعض اللاعبين فإن الفريق كان مرشحاً للذهاب بعيداً في البطولة الأفريقية.. قياساً بنوعية اللاعبين الذين كانوا في الفريق…! ومع غارزيتو أيضاً كان تكملة الدرس الذي نتمنى أن نستفيد منه.. وخلاصته أن المدرب الذي نتعاقد معه يجب علينا أن نوفر له معينات العمل ونتيح له الفرصة لموسم على الأقل.. وفي حالة البلجيكي إيمال.. فالحديث عن تقييمه في الظروف التي يمر بها النادي الآن ظالم للحد البعيد… فهنالك جملة من المشاكل أولها حوافز ومرتبات اللاعبين المحليين والأجانب، والغيابات والإصابات وبعض الأحداث… بالأمس فقط علمت أن مجلس المريخ لم يرسل شكوى النادي بخصوص شرف شيبوب للفيفا.. والجماهير المغلوب على أمرها تترقب النتيجة…! منظر الإشتباكات التي شاهدناها في مقصورة المريخ خلال مباراة الفريق أمام أهلي عطبرة دليل كامل على أن الأمور قد مضت نحو متاهات مظلمة للغاية.. مجموعتين إحداهما مناوئة للوالي والأخرى مساندة له تبادلا الإساءات وأصاب الرشاش الرجل وونسي معه…!! تصرفات غير رياضية في غياب الرادع والوازع..! إستقامت الأوضاع الإدارية في هلال كادقلي فتقدم بنتائجه للمنافسة على المقاعد الأمامية… وفي تجربته درس للجميع.. من الأندية التي تشهد إستقراراً إدارياً وفكرياً نادي الخرطوم الوطني… وعما قريب سيتحول هذا العمل لنتائج الفريق وينعكس عليها داخلياً وخارجياً، وأعتبره الأبرز الآن من بين المرشحين لقلب الطاولة على القمة… خاصة مع إنشغالهما بالصراعات والتراجع الواضح في مستوياتهما.