تلقيت في القروب الشهير (صحافسيون) والذي يديره الصحفي اللامع والمثير عطاف عبدالوهاب ، تلقيت رسالة زعم فيها احدهم أن مواكب الخميس الجماهيرية اقامها الاسلاميون لتوجيه رسالة لقوى الحرية والتغيير (قحت) فكتبت معلقاً على تلك الفرية، وكان مما قلت إن ذلك الكاتب الذي قصر الأمر على الاسلاميين ضيق واسعاً، لأن حراك الخميس الخرطومي الذي تبعه بالامس تحرك الناس في ولاية كسلا وبعض المناطق الاخرى، يعبر عن ثورة الشارع السوداني العريض الذي كان قد انتفض قبل عام لذات الاسباب التي اخرجت الناس هذه الأيام-بل اقل- بعد ان ضاقوا ذرعاً باولئك الفاشلين والعاجزين الذين تسيدوا السودان في غفلة من الزمان، بعد أن سرقوا الثورة وتصارعوا على لعاعتها تصارع الوحوش على الفريسة، بدون اي شرعية او اهلية. نعم، إنها أيها المواطنون الشرفاء، فقد آن الأوان لأن تذودوا عن بلادكم واعراضكم ومعاشكم بل ودينكم فقد بلغ السيل الزبى والروح الحلقوم. إن ذلك الحراك المبارك يعبر عن ثورة شاملة ورافضة للفشل والعجز الحالي في ادارة الدولة وفي توفير ابسط الاحتياجات الضرورية للمواطن من رغيف ووقود وماء وكهرباء وغاز طبخ ومواصلات .. إنها ثورة ضد الغلاء الطاحن الذي احال حياة الشعب الى جحيم لا يطاق وضد التجويع والقهر والصفوف المذلة والمتراصة الباحثة عن كل شيء بعد أن انعدم كل شيء تقريباً. انها ثورة ضد الفساد المستشري الذي بات يدار بالمكشوف وتحت سمع وبصر الدولة، وضد احتقار القانون الذي بلغ درجة حل المحكمة الدستورية من خلال اعفاء قضاتها وعدم تعيين آخرين لعدة اشهر خوفاً من القدح في النظام (غير الدستوري) القائم الآن. إنها ثورة ضد الاقصاء والظلم والقهر والاذلال وقطع الارزاق والاعتقال المتطاول للمواطنين بدون اتهام او محاكمة من خلال إعمال عدالة انتقائية ظالمة، مع تمكين جديد للفاشلين والكفوات والعاجزين لم يسبق له مثيل في تاريخ السودان. انها ثورة ضد التطاول على دين هذا الشعب وقيمه واخلاقه وتقاليده السمحة باستصدار القوانين المرسخة للعلمانية والتي تبيح كل المحرمات بما في ذلك الدعارة والسلوكيات الشاذة والخروج على الاداب العامة في الشارع وفي غيره بعد أن اقصى النظام العام واتيح للمثليين ابرام عقود الزواج على رؤوس الاشهاد وبعد أن خرجت بعض الساقطات واعلن التمرد على سلطة الآباء. انها ثورة ضد العجز في كل شيء بما في ذلك السلام الذي عجز عن تحقيقه اولئك الفاشلون بعد ان استسلموا لكل مطلوبات الحركات المسلحة (المتطرفة) المنادية باعادة هيكلة الجيش السوداني حتى تستولي عليه وتخضعه لأجندتها الشريرة ومن خلال السماح لتعدد المسارات الوهمية لكل باحث عن الثروة والسلطة، مما اضعف من هيبة الدولة وسيادتها على ارضها وجعل السودان مستباحاً لاطماع الداخل والخارج. انها ثورة من اجل استعادة هيبة السودان الذي بات مرتعاً للتدخلات الاجنبية، سواء عربية أو اقليمية أو دولية مما اتاح حتى للسفراء التدخل في شؤون السودان الداخلية، وشوه صورتنا في الخارج واظهر السودان مجرد دولة عاجزة ومتسولة وذليلة. انها ثورة ورفض لاخضاع السودان للوصاية الدولية والاستعمار الجديد الذي سعى اليه ربيب الاممالمتحدة والمنظمات الدولية بصورة سرية بعيداً حتى عن رئيس مجلس السيادة ومجلس الوزراء العاجز . انها ثورة لتصحيح الاوضاع المؤسفة وإنهاء وهم ان قحت هي (الممثل الشرعي الوحيد) للشعب السوداني. انها ثورة لاشراك كل الشعب السوداني من خلال ممثليه في صناعة حاضره ومستقبله بدون اقصاء وبدون احتكار للسلطة هو الذي تسبب في العجز والفشل الماثل اليوم والجاثم على صدر الشعب السوداني الصابر. إنها سانحة لكي أخاطب الفريق اول البرهان بأن الأمانة التي تحملها يوم انتزع السلطة من النظام السابق تحمله المسؤولية كاملة لتصحيح الاوضاع والذي لن يتم الا من خلال قيامه او قيام المجلس العسكري بذلك الفعل الثوري الذي تأخر كثيراً ولن يتأتى ذلك الا بقيامه او المجلس العسكري باعادة النظر في كل الواقع الشائه الحالي الذي يوشك أن يهوي ببلادنا الى القاع، واعتبار أن الثورة قد قامت اليوم وليس قبل عام من الان، ذقنا خلاله من القهر والاذلال والعجز وضيق الحال والتخبط ما لم يشهده السودان منذ الاستقلال. تصحيح الاوضاع يقتضي الاتي: ان يتولى المجلس العسكري بقيادة البرهان ونائبه حميدتي عملية التصحيح على النحو التالي: حل مجلس السيادة ومجلس الوزراء فترة انتقالية شبيهة بفترة المشير سوار الدهب مدتها عام واحد تجرى خلاله انتخابات حرة. مجلس وزراء يتولى الشأن التنفيذي .. يكون من كفاءات وطنية خالصة متفق عليها من الجميع بعيداً عن اي محاصصات حزبية او جهوية. يجتمع المجلس العسكري مع ممثلين محدودين لمختلف القوى السياسية والحركات المسلحة بدون اي اقصاء لاية جهة. هذه هي المعالم الرئيسية للمطلوبات الوطنية الملحة فهلا تولى البرهان الأمر وحمل الأمانة التي سيساءل عنها يوم الحساب امتثالاً لأمره تعالى: (إِنَّا عَرَضۡنَا 0لۡأَمَانَةَ عَلَى 0لسَّمَٰوَ ٰتِ وَ0لۡأَرۡضِ وَ0لۡجِبَالِ فَأَبَيۡنَ أَن يَحۡمِلۡنَهَا وَأَشۡفَقۡنَ مِنۡهَا وَحَمَلَهَا 0لۡإِنسَٰنُۖ إِنَّهُۥ كَانَ ظَلُومࣰا جَهُولࣰا)؟