كانت زيارة منطقة ابيي عقب الاحداث التى خلفت آلاف النازحين فرضاً مهنياً على مبعوث الامين العام للامم المتحدة اشرف قاضي لكونه المراقب لتنفيذ اتفاقية السلام الشامل وكان معه عدد من الصحافيين وممثلي وكالات الانباء على متن طائرة بويم اتجهت نحو منطقتى ابيى واقوك التى شهدت حالات نزوح تقدر بحولى (90) الف نازح بحسب افادات المنظمات العاملة فى المنطقة. وبعد مغادرة طائرة اشرف قاضى لمطار الخرطوم قاصدة منطقة ابيي بحوالى نصف الساعة او يزيد جاء المضيف معتذراً (السادة الأعزاء نسبة لظروف الاجواء الماطرة فى ابيي نعتذر عن عدم مواصلة الرحلة ونحن الن على مشارف مطار كادوقلى الدولى). وفى مطار كادوقلى الدولى تمت الاستعانة بطائرة عمودية تابعة لبعثة الاممالمتحدة لتغادر بعد استراحة قليله من المطار نفسة الى منطقة اقوك التى تشتهر باسم قبيلة (دينكا اقوك) التى تشهد هذه الايام حالات نزوح اعتبرها المراقبون عودة للمربع الاول لأطول حرب فى القرن الافريقى. احتجاز وتفتيش اضطرت الاممالمتحدة الى ارسال الصحافيين كوفد مقدمة على طائرة عمودية الى منطقة اقوك للوقوف على طبيعة الاوضاع الامنية والانسانية على ان تتبعها فى المقابل طائرة مبعوث الامين العام اشرف قاضى، ووسط اجواء ممطرة وارض وعرة هبطت الطائرة فى منطقة ذات حشائش وادغال، وتتكون المساكن من القطاطى (والكرانك) عدا مبنى كبير من الطوب الاحمر تقيم فية الادارة السياسية للحركة الشعبية. مع منازل لعدد قليل من المنظمات التابعة للامم المتحدة. وعند هبوط الطائرة تفاجأ الصحافيون دون سائرهم من صحافيي وكالات الانباء العالمية بعزلهم فى مكتب ليتم التحقيق معهم عن هويتهم من خلال استفهامات عدة (انت منو؟ شغال فى ياتو جريدة؟ بطاقتك؟ افتح الشنطة دى! طلع الموبايل، جيب الكاميرا، خت المسجل هنا...جاي هنا لي شنو؟).... وهكذا الحال حتى انتهى التحقيق... بعد الاجابة على أسئلة طويلة وعريضة انتهى بقرارات كالآتى: (ممنوع الدخول للمنطقة.. وممنوع التصوير... من هنا تتحركوا تقعدوا فى الطائرة ومافى زول يحضر الاجتماع).... انتهى التحقيق بعد ان قدمنا افادات لهم تفيد بان ارقام المصادر الصحافية المحفوظة داخل جولاتنا كانت لمسؤولين فى الحركة مثال: باقان، عرمان، عقار. ويبدو انها كانت شفيعاً للصحافيين وبمثابة نجاة من نظرات بعض المواطنين والجيش الذى طالب بعدم تركنا دون (.....). وتوجهنا للطائرة انفاذا لتلك القرارات لنتفاجأ بهتافات وشتائم لعدد من جنود الحركة في الخارج واصواتهم تقول (مايرجعوا تاني.. ما يرجعوا.. مرتزقة.. سماسرة حرب... مخابرات مؤتمر وطني وهكذا بأعلى صوت)... وقبل ان تنخفض اصواتهم لينشغلوا بوصول طائرة اشرف قاضى الذى جاء تحمل براءة ثلاثة من الصحافيين مع مراسل قناة الجزيرة وقبل ان يعيدوا لنا المعدات مع اعتذار من مسؤول الحركة الشعبية بالمنطقة قائلاً: (يا شباب دي اجراءات أمنية عادية ممكن تحضروا المؤتمر بعد كده). تحقيق ومساءلة دخلت الحركة والاممالمتحدة فى اجتماع مطول عرض فيه كل طرف وجهة نظره تجاه حل المشكل مع ارتفاع اصوات احتجاج اعضاء الحركة بعدم تدخل الاممالمتحدة فى حل القضية وحملت حينها الحركة الاممالمتحدة مسؤولية (90) الف نازح من منطقة ابيي الى اقوك والجنوب، وقال احد الضباط فى لهجة حادة لأشرف قاضي: من يتحمل مسؤولية النازحين ومن يتحمل مسؤولية كذا وكذا معدداً ما تعرضت له المنطقة من خراب؟! ورد اشرف قاضي قائلاً: (حقيقة ان الاممالمتحدة امكانياتها اقل من احتياجات النازحين ولكنني سأبذل قصارى جهدي لكى نوفر هذه الاحتياجات فى اقل وقت وعداً بأن الامر لن يترك دون تحقيق اومساءلة؟). تحت الشجرة بعد ان انتهى اجتماعه مع قيادات الحركة توجه قاضى لتفقد اوضاع النازحين تحت شجرة كبيرة فى منطقة اقوك غالبيتهم من النساء والاطفال لا يملكون سوى باغات (جركانات) لنقل مياه الشرب ولا يعلم عددهم الحقيقى الى الله وما أكد ذلك مدير منظمة العون الانسانى التابع للامم المتحدة قائلا (لم نتمكن حتى الآن من حصر العدد الحقيقي، الحصر جارٍ ولكنهم حوالى (90) الف نازح. التقى اشرف قاضى بالنازحين الذين تدافعوا حوله وكأنه يحمل فى جيبه مفاتيح منازلهم التى تركوها وراءهم واكتفى قاضي مخاطبا النازحين مع مترجم باللهجة المحلية بتقديم وعود بإرجاعهم الى ديارهم وتوفير احتياجاتهم قبل هطول الامطار فى وقت كانت الامطار ترسل اشارات الهطول. وختم قاضى زيارته لاقوك مع إجتماع ممثلي المنظمات الذين تدافعوا لتقديم تقاريرهم عن الاوضاع فى من تسبب فى الاحداث وعدد الوفيات والحاجة الانسانية....الخ. وقبل مغادرة اقوك اكتفى قاضى للصحافيين بالقول: لابد من تكوين آلية للتحقيق وهذا امر يجب ألاّ يتكرر. الرجوع الى الخرطوم بعد جولة شملت كلاً من كادوقلى.واقوك وابيي والمجلد وقف خلالها اشرف قاضى على طبيعة الاوضاع هناك عاد بعدها الى الخرطوم ويحمل فى حقيبته اسراراً لم يبُح بها لمرافقيه من الاعلاميين ولكن شروده الدائم على الطائرة وحسرته على حريق المدينة وحدة التعامل مع مسؤول القوات المشتركة بأبيي كشفت بعضاً من هذه الاسرار ترجمها البعض بالغضب الشديد، متوقعاً ان يكشف ما تبقى منها فى مؤتمر صحافى اليوم بالخرطوم او قد يحتفظ بها فى تقاريره لمجلس الامن، خاصة وان هناك العديد من الاجتماعات مع اعضاء المنظمات وبعض افراد البعثة تمت فى عدم وجود الصحافيين والاعلاميين.