يحيرني وما يتحير إلا مغير ما نسب لأحد قادة الحركة الشعبية من قول بأنه يطالب بإرجاع حلايب للسودان بأعجل ما تيسر، لا شك في ان حلايب مشكلة وهي مصدر عكننة بين مصر والسودان، ولكن ان تقول الحركة الشعبية هذا وفي خضم معركة أبيي فان هذا يدعو للحيرة. فالنزاع في أبيي بين الحركة والمؤتمر اقوى من كل نزاعات السودان الحدودية. فهناك مشاكل حدودية في الفشقة مع اثيوبيا وفي مثلث أليمي مع كينيا وفي وادي صالح مع افريقيا الوسطى ولكن كلها لم تنفجر كما حدث في أبيي، فإذا كانت الحركة حريصة على كل الاراضي السودانية بما في ذلك حلايب فلتؤكد لنا سودانية أبيي فاذا كانت أبيي، سودانية مائة بالمائة -اي ليست هناك اية نية انفصال- فلن يكون فيها نزاع بل سوف تصبح نواة السودان الجديد، ولكن يبدو ان الحركة ارادت ان تقول للمؤتمر «حقيرة حقيرة بالحمارة القصيرة». يحيّرني وما يتحير الا مغيّر قصة التبغ التي تدور بين مجلس الوزراء والمجلس الوطني «البرلمان». فقد رشح ان البرلمان رفض اجازة مشروع قانون التبغ المقدم من مجلس الوزراء بحجة ان القانون فيه براح «للتباغة»- اي اصحاب الكيف. فالبرلمان يريد التضييق على المتاجرين في التبغ والمتداولين له ويبدو ان مشروع القانون «فكّاها شوية»، ولكن المحير اكثر ان الدكتورة الوزيرة تابيتا بطرس شنت هجوماً على التبغ والتباغة وطالبت بالصرامة في التعامل معهم «وتكريههم في الشغلانة»، فالست الوزيرة لديها فرصة داخل مجلس الوزراء اكثر من الفرصة داخل البرلمان بحكم انها الوزيرة المختصة وصاحبة المرجعية في الامور الصحية، اما داخل البرلمان فهي عضو عادي «ياربي الشغلانة فيها ضرائب وجمارك ودخل للخزينة وللاّ فيها شنو؟» يحيّرني وما يتحير إلا مغير ما يدور في ولاية الجزيرة حول دريم لاند واحمد بهجت واراضي الباقير، فالعقد الموقع بين الولاية والمستثمر المصري كان اصلاً ضعيفاً جداً وبه الكثير من «الكروتة» كما يقول مسؤولو الجزيرة انفسهم وحتى هذا العقد «المضروب» لم ينفذ كما ينبغي ثم يقوم ذات المستثمر ببيع «04%» من الاراضي لمستثمر قطري وبسعر أعلى من السعر الذي اشترى به الارض من ولاية الجزيرة اي «بيع من الباطن»، نعم للاستثمار والاستثمار يقوم على قاعدة «بارك الله فيمن نفع واستنفع» ولكن عندما يقوم على قاعدة «الحشاش يملأ شبكته» ففي هذه الحالة سوف يكسب من يجيد الفهلوة ويخسر العاجز الغافل البائع. يحيّرني وما يتحيّر إلا مغّير ان يحتار الواحد منا في محيرات السودان التي لا تنتهي فكل يوم تنزل علينا عدد من المحيرات. فالطبيعي ان نكون قد تطبعنا مع محيرات السودان والمحيرات عندما يتم التطبيع معها تصبح «اعتيادات» لا تثير اية دهشة ولكن اندهاشنا وتعاملنا معها كمحيرات هذا يعني ان جذوة الامل في الاصلاح مازالت متقدة في نفوسنا. فهذا السودان يا جماعة الخير «عضمه قوي» ولكن ما يمارس فيه يكسر ضهر فيل. فنسألكم بالله ان لا تطبعونا مع اليأس فتحذفوا مفردة محيرات من لغتنا.