صفة الراعي أطلقها أحد مراسلي الصحافة العالمية علي الزعيم الليبي العقيد معمر القذافي أثناء مداولات أعمال القمة العاشرة لتجمع دول الساحل والصحراء الذي انعقد أخيرا في مدينة كوتونو عاصمة بنين وذلك نسبة لحرصه الدؤوب علي لبس قميص في مناسبات يحمل صورة الآباء المؤسسين لإفريقيا وعلم أخضر يرمز لطبيعة أفريقيا الغلابة وجولته البرية المتكررة في الدول غرب إفريقيا عبر سيارته (BMW) المصفحة. ويعد الزعيم الليبي من ضمن أبرز زعماء العرب الذين تركوا بصماتهم في إفريقيا، إذ ساعد حركات التحرر الوطني في أجزاء المختلفة، من أجل تصفية الإستعمار من إفريقيا، سيما في كل من موزمبيق وأنقولا والرأس الأخضر وغينيا بيساو وناميبيا، وساهمت كذلك في بناء المدارس والمستشفيات في المناطق النائية والفقيرة في إفريقيا، وساعد الحكومات الإفريقية على إدخال محطات التلفزيونية وصيانة شبكات الإنترنت، وعمل على توفير وسائل التقنية الحديثة، وفتح المراكز الثقافية في العديد من الدول ، وقد إستفاد الزعيم الليبي من بترودينار بلاده في دعم القضايا الإفريقية المختلفة. ويري المحللون الأفارقة أن الزعيم الليبي يهدف وراء هذه المساعدات الى خلق صورة ذهنية طيبة وتكوين الرأي العام الإفريقي عن الدور الليبي الرائد في إفريقيا، وربط الكوادر المدربة فكرياً وعقديا بالجماهيرية العربية الليبية . وفي هذا السياق تجدر الإشارة بأن الأفارقة لم ينسوا كذلك الدور السلبي الذي قام به الزعيم الليبي في دعم المتمردين وقادة الإنقلابات العسكرية في البلدان الإفريقية المختلفة. والقراءة المتأنية حول الشئون الإفريقية يبدو أن الزعيم الليبي وبعد تجربة ثلاثين عاما قد أصيب بصدمة تجاه الجيل الحالي من القادة الأفارقة وذلك نسبة لتأخرتحقيق أحلامه وأعلان ميلاد حكومة الولاياتالمتحدة الإفريقية على غرار الإتحاد الأوربي، وعليه يرغب في الإنضمام إلي منظومة الإتحاد المتوسطي، كما صرح به في مؤتمر صحفي الذي عقده في طرابلس قبيل إنعقاد القمة العاشرة للإتحاد الإفريقي الذي إنعقد أخيرا في العاصمة الإثيوبية أديس ابابا ، إذ قال " إن ليبيا لن تشترك في بيع إفريقيا ولن تشارك في خيانتها وستفضح من يخونها مهددا بأنه إن لم يتحقق الوحدة الوطنية فإن ليبيا لديها خيار إستراتيجي آخر وهو إقامة فضاء عربي متوسطي أو فضاء إسلامي الممتد من بلاد المغرب العربي مرورا بشمال إفريقيا وصولا إلي بلاد الشام . وفي هذا المنحي يري المحللون الأفارقة أن هذا الإتحاد الوليد محاولة من قبل دول الإتحاد الأوربي من أجل تفتيت الوحدة الإفريقية وعزل شمال إفريقيا عن دول جنوب الصحراء وجعل بلاد المغرب العربي حاجزا منيعا لأي إختراقات حدودية مستقبلا ضد الإتحاد الأوربي ، والرئيس الأمريكي جورج بوش الإبن قد حاول مسبقا إلحاق دول شمال إفريقيا بمشروع الشرق الأوسطي الكبير إلا أنه فشل في تحقيق ذلك ، ومشروع الإتحاد المتوسطي والشرق الأوسطي وجهان في عملة واحدة . وإذا تأملنا التجربة السياسية للزعيم الليبي نلاحظ أنه قد مني بصدمات وخيبات أمل متكررة ففي فترة الستينيات من القرن المنصرم كان الزعيم الليبي يحلم بتحقيق الوحدة العربية ولم يكن في حسبانها أي اعتبار لإفريقيا السوداء ، وعندما فشل في تحقيق الوحدة العربية بدأ يدير ظهره عن اشقائه العرب ، وعن المشروع القومي العربي نسبة للمتغيرات الدولية التي طرأت في منطقة الشرق الأوسط ، وما نتج عنه من فشل للمشروع العربي في إقامة دولة فلسطين المستقلة وعاصمتها القدس الشريف ، وفي هذا السياق تجدر الإشارة بأن هذه الحادثة أحدثت إنشقاقاً في الصف العربي وما بين مؤيد للمقاومة الوطنية ضد الإحتلال الاسرائيلي وبين المنادين بضرورة تطبيق سياسة الإعتدال والتفاوض مع الكيان الإسرائيلي، لحل الخلافات بين الطرفين، مما لم يعط أملا لمعمر القذافي ولدعاة القومية العربية في مواصلة مسيرة النضال، وخيبة أمل أخرى مني بها الزعيم الليبي هي تعثر قيام الإتحاد الثلاثي بين مصر وليبيا والسودان وكذلك الفشل الذي منيت به دول الإتحاد المغاربي في لملمة صفها وإتخاذ القرارات الجريئة التي تسهم في خلق الإستقرار والسلام في ربوعها حيث لم يتمكن الإتحاد المذكور من حسم الخلافات القائمة بين أعضائه خاصة بين المغرب والجزائر حول تقرير مصير منطقة البوليساريو الغنية بالموارد الطبيعية، هذه قضية اتخذت منها المغرب ذريعة للإنسحاب من عضوية منظمة الوحدة الإفريقية " الإتحاد الإفريقي حاليا " وفي وقت غير وجيز أعلن الزعيم الليبي مرة أخري إنسحابه من الجامعة العربية عقب ملاسنات حادة بينه وبين أحد الزعماء العرب في إدارة العديد من الملفات العربية المهمة. ويري المراقبون أن هذه الاسباب جعلت الزعيم الليبي يدير ظهره عن أشقائه العرب ويركز جل أهتمامه علي أخوانه الأفارقة حيث أعلن في مناسبات عديدة عن قناعته بجدوي وإمكانية نجاح العمل الإفريقي المشترك ومضي يفتح قنوات سياسية ودبلوماسية كي تسهم في دفع أواصر التعاون بين بلده والدول الإفريقية وكان يطمح أن يتمكن الزعماء الأفارقة من تحقيق الوحدة السياسية والإقتصادية والاجتماعية والثقافية علي غرار الإتحاد الأوربي وأن تكون أجهزة الاتحاد الإفريقي المختلفة قادرة علي خلق التعاون والتقارب بين دول الأتحاد الأفريقي . عموما ومهما يكن من الأسباب فإن علي الزعماء العرب في القارة الإفريقية أن لاينخرطوا في أي تجمعات يمكن أن تهدد مسيرة الوحدة الإفريقية ، حتي لا تعطي مجالا وشرعية لدعاة القومية الأفريقية السوداء لإقامة إتحاد إفريقي أسود.