السودان عضو كامل العضوية في منظمة الأممالمتحدة، ويتمتع بالضمانات والحقوق كافة التي يكفلها ميثاق الأممالمتحدة للدول الأعضاء - وأهم تلك الحقوق احترام السيادة الوطنية وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأعضاء. كذلك يكفل الميثاق حق الدول في استخدام القوة للدفاع عن النفس في حالات الإعتداء من الخارج والداخل. ولقد توسعت الولاياتالمتحدة في تطبيق هذا الحق ليشمل ما تعتبره تهديداً لأمنها القومي على بعد آلاف الأميال من أراضيها في حربها المعلنة ضد ما يسمى بالإرهاب. وإذا أخذنا في الاعتبار أن هذا الحق تتمتع به كل الدول الأعضاء - فمن حق السودان أن يستخدم القوة ضد الحركات المتمردة في دارفور، التي تسعى لتقويض النظام والدستور. وإذا كان من حق السودان التصدي للعمليات الإرهابية داخل أراضيه - فإن الهجوم الذي شنته الجماعات المسلحة على الفاشر في العام 2003م وقتلت فيه العشرات واختطفت العشرات، كما دمرت ثماني طائرات في مطار الفاشر، لهو عمل إرهابي بكل المقاييس ويحق بموجبه للسودان - وبموجب ميثاق الأممالمتحدة- أن يستخدم القوة ضد الجماعات المسلحة التي نفذت ذلك الهجوم. هذا الذي سقناه حق صراح لا ينكره منصف، وقد رأينا كيف تمارس قوات الاحتلال الإسرائيلية الدمار والخراب في الأراضي الفلسطينيةالمحتلة في الضفة والقطاع، بتأييد مطلق من الولاياتالمتحدة التي ما تفتأ تردد أن إسرائيل تمارس حقها المشروع في الدفاع عن النفس المكفول لها بميثاق الأممالمتحدة - فإن كان ذلك جائزاً في الفقه الأمريكي - رغم تحفظنا عليه لأن إسرائيل دولة محتلة - وعليها واجبات ليس من بينها تدمير المدن والقرى والمزارع واستهداف القيادات الفلسطينية في عمليات اغتيال معلنة - وإذا كانت أمريكا تؤيد العدوان الإسرائيلي بذرائع الدفاع عن النفس.. فكيف لا يكون للسودان الحق في التصدي للحركات المسلحة المدعومة من الخارج. إن الحملة الإعلامية الجائرة التي تعرَّض لها السودان التي تعكس الحقائق وتلفق التهم - وتجعل المعتدي ضحية، والضحية هو المعتدي، وتُروج الأكاذيب وتضخم الحقائق، هدفها الأساسي هو محاصرة السودان وتعويق مسيرة التنمية وإيقاف عجلة التقدم، ثم تفتيت البلاد وتقسيمها حتى تسهل السيطرة على ثرواتها.. كما أن محاولات تأجيج الصراع القبلي وإثارة فتنة عرقية بين أبناء دارفور يرمي لذات الهدف. إن اتهامات الإبادة الجماعية والإغتصاب الجماعي التي أخذت ترددها وتروج لها الجمعيات المشبوهة - التي لم تساندها تقارير الجهات المختصة في هيئة الأممالمتحدة وكذلك في الاتحاد الإفريقي لهي الأجندة الخاصة لجماعات الضغط النافذة لدى صنُّاع القرار السياسي في الولاياتالمتحدة وحلفائها الغربيين. إن المُشاهِد للإعلام الغربي لا يملك إلا أن يعجب للطريقة التي تعرض بها قضية دارفور - فهي تصريحات من طرف واحد لعناصر من دارفور يبدو عليها أثر النعيم ولا يبدو كذلك أنها حديثة عهد بدارفور.. فيطلقون التصريحات المعادية لحكومة السودان ويزورون الحقائق - ولا يتعرضون لأي استجواب مهني ينم عن رغبة في معرقة الحقائق- كما لا تتاح الفرصة للرأي الآخر باستجواب من يمثل وجهة نظر الحكومة والجماعات المؤيدة لها.. وهو ما يقدح تماماً في حيدة ونزاهة الإعلام الغربي. على ضوء ما تقدم يمكن أن نلقي نظرة فاحصة على الخطوة التي أقدم عليها مدعي المحكمة الجنائية الدولية بلاهاي، التي بلا أدنى شك هي تسييس مخجل وتجاوز خطير لقيم العدل والحق. إن المدعي العام يعلم تماماً أن السودان لم يصادق على قانون تأسيس المحكمة الجنائية الدولية، كما يعلم أيضاً أن ولاية المحكمة الجنائية هي ولاية تكميلية تنعقد فقط إذا كانت الدولة المعنية لا تملك أجهزة عدلية مؤهلة قادرة على تحقيق العدالة حسب النظم المتعارف عليها دولياً. والسودان دولة تقوم على القانون وبه نظام قضائي مكتمل بكل مراحل التقاضي، كما به مؤسسات نيابية للتحقيق والتحري وتوجيه الاتهام وفق القانون. وقد اطلع المدعي العام أوكامبو على الأوضاع القانونية بالسودان عند زيارته للبلاد، وأبدى ارتياحه التام وإعجابه بالمؤسسات العدلية - والمدعي العام يعلم أيضاً أن عدداً من المتهمين يمثلون الآن أمام المحاكم المختصة التي تجرى فيها محاكمات أعداد كبيرة من المتهمين بارتكاب مخالفات وجرائم حرب، ويعلم أيضاً أن هذه المحاكمات تستغرق وقتاً طويلاً - فهي ليست محاكمات إيجازية - أو محاكمات صورية تُضفى عليها صفة المحاكمة لا غير، وبالتالي تستغرق الوقت الكافي لتحقيق العدالة، وإذا كان المدعي العام يعلم ذلك - وهو أمرٌ عُجاب إذا لم يكن يعلم، فلم هذه الضجة؟ إن مدعي المحكمة الجنائية غير معني بقيم الحق والعدل وهو يسعى فقط لإرضاء الدول الكبرى التي اختارته بعناية للقيام بالدور المرسوم له، وإلا لما تقاعس عن نصرة الضعفاء والمسحوقين في العراق وأفغانستان وفلسطين ولبنان.. أما كان واجبه أن يأخذ علماً قانونياً بالمجازر البشعة في تلك البلاد، تلك المجازر والجرائم التي تقف الإنسانية كلها شاهداً عليها - ولا تحتاج الى بينات وشهود - كيف وأدلة الاتهام الدامغة هي الأساطيل في البحار والطائرات التي تزحم الفضاء والدبابات التي تدمر المدن والقرى وتحرق المزارع، والجيوش التي تُحشد وتُرسل من الولاياتالمتحدة وحليفاتها! والتصريحات المدوية لرؤساء تلك الدول التي تبرر بلا أدنى خجل التدخل العسكري في العراق وأفغانستان.. إن كل ذلك له تصنيف واحد فقط لا غير: جرائم حرب تتمثل في إبادة جماعية مروعة ذهب ضحيتها الملايين في العراق وأفغانستان، والآلاف في فلسطين ولبنان- ناهيك عن الدمار والخراب الذي لحق بتلك البلاد - أما الصومال فقد تم تدميره تدميراً كاملاً خلال الأعوام الخمسة عشرة الماضية بتدخل مباشر وغير مباشر من الولاياتالمتحدة. إن المطلع على تقرير لجنة مولانا/ دفع الله الحاج يوسف، يقف على حقائق الأوضاع في دارفور - فالتقرير تابع بدقة فائقة الأزمة منذ بداياتها - وتقصى الحقائق بعيداً عن التهويل الإعلامي ووصل الى نتائج تدحض إدعاءات الذين زعموا بوجود إبادة جماعية في دارفور. فعدد القتلى بعد التقصي الدقيق للحقائق والتحريات الميدانية في مختلف المواقع لم يتعد بضعة آلاف - كما أن الجناة لم يكونوا من طرف واحد، بل شاركت الجماعات المسلحة بالنصيب الأوفر.. إما إدعاء الإغتصاب الجماعي فلم يثبت مطلقاً رغم أن اللجنة ذهب الى جميع المعسكرات، واستنطقت كل من له شكوى.. ويبدو أن كلمة إغتصاب تعني لدى الجميع إخراجهم من مساكنهم غصباً وليس الإغتصاب بالمعني الذي تم الترويج له إعلامياً.. أما الذين أكدوا أنهم تعرضوا لإغتصاب بالمعني المعروف فلم يتجاوز عددهم العشرة!.. أما الأعداد الكبيرة من القتلى التي تم الترويج لها، فهي إدعاءات بعض جماعات الضغط المعادية للسودان، والجمعيات التي يقال بأنها تعنى بالشؤون الإنسانية كهيومان رايتس وتش.. أما جلسات السماع في مجلس الشيوخ الأمريكي فقد كانت مهزلة.. إذ لم يستمع الشيوخ الأماجد إلا للجمعيات الناشطة باسم حقوق الإنسان ضد السودان، وبذلك مهدوا لسن قانون معاقبة حكومة السودان الذي أُجيز فيما بعد.. ونرجو أن ننوه أن الأممالمتحدة في أجهزتها المتخصصة كافة لم تصدر قراراً يفيد بأن حكومة السودان ارتكبت مجازر جماعية أو تورطت في عمليات اغتصاب جماعي على النحو الذي نسمعه من الجمعيات المعادية للسودان، أو من نجوم السينما اليهود الذين يتم إرسالهم بصورة منتظمة لدارفور - أو أحياناً لدولة تشاد المجاورة - ليمضوا فيها سويعات يصرحون بعدها بأنهم ذهبوا الى دارفور وشاهدوا التقتيل الجماعي بأعينهم (أمثال جورج كلوني وغيرهم). إذاً، فالحقيقة التي لا مراء فيها إن أرقام القتلى لم تثبت مطلقاً بمنهج علمي، بل هي أرقام رددها بعض الأشخاص والجمعيات المعادية للسودان، وتتفاوت التقديرات تفاوتاً كبيراً.. وتعتمد الدوائر المعادية للسودان على تكثيف الحملة الإعلامية، وتكرار الأرقام حتى يُصبح مجرد التكرار هو الإثبات.. فلا يسأل بعد ذلك أحد عن مدى صحة الأرقام. فالفضائيات تكرر تلك المعلومات صباح مساء، فبدلاً من أن تكون للإعلام رسالة يؤديها في نشر الحقائق، يصبح الإعلام نفسه هو الرسالة (The media becomes the message)، وبذلك يكون عصر التجهيل قد بلغ ذروته ومنتهاه The age of disinformation. هذه الحقائق لا تخفى على أحد، فبفضل الإعلام الجائر، لا يزال الإعلام الغربي يتجاهل مأساة الشعب الفلسطيني طوال الستين عاماًَ الماضية، بينما يتباكى على المدنيين من الإسرائيليين الذين يتعرضون للإرهاب الفلسطيني، وتبقى الجرائم البشعة في الضفة والقطاع خارج دائرة الضوء وبعيداً عن اهتمام صنُّاع القرار السياسي في الغرب. وبنفس القدرة على طمس الحقائق في فلسطين، كذلك تُطمس الحقائق عن السودان، وتُعرض بالصورة التي تُمكن الولاياتالمتحدة وحليفاتها من الاستمرار في حملاتهم العدائية ضد السودان.. كل ذلك للأسف يتم باسم الإنسانية والقيم والأخلاق الفاضلة التي لم نر دليلاً عليها لا في ممارسات الاحتلال في العراق وأفغانستان، ولا في سجون أبوغريب وغوانتنامو، ولا في الرحلات السرية عبر أوروبا التي تحمل المعتقلين السياسيين المُساقين الى التعذيب في دول أوروبا الشرقية وبعض البلاد العربية التي تجيد فنون التعذيب.. إن الغرب مفلس أخلاقياً ولم يعد في وسعه الجلوس على القمة الأخلاقية (High moral ground) كما يحلو له أن يدعي دائماً. يتبع رئيس العلاقات الخارجية - المجلس الوطني