... تابع العالم كله ما جرى في مجلس الأمن في وقت كانت تتجه فيه أنظاره الى السودان والى القرار المتعلق بمد فترة قوات «اليوناميد» لعام آخر. وقد جاء ذلك مع «طبخة» أوكامبو.. ولعلنا لا نريد أن نشخصن قضية محكمة الجنايات الدولية المزعومة ضد الرئيس البشير.. لأننا نعرف أن هذه المحكمة ما هي إلا تسويق لإتجاه صهيوني صليبي في الدوائر الأمريكيةوالغربية لضرب «الإنقاذ» وتفكيكها.. بعد أن فشلت كل المحاولات نتيجة للتماسك الداخلي ونتيجة لعبقرية الرئيس البشير.. ونتيجة لحب الشعب السوداني له. ..................................................................................................... سموم أوكامبو وحينما نفث «أوكامبو» سمومه.. أصبح البشير رمزاً للرفض العالمي للطغيان الأمريكي.. وازداد رصيده الشعبي ويكفي ما قالته مجلة (New York Times) النيويورك تايمز حيث قالت إن مذكرة «أوكامبو» خلقت إجماعاً شعبياً حول البشير حتى أن الاستاذ غازي سليمان الذي اعتقل ثماني عشرة مرة بسبب معارضته للرئيس البشير على حد قول المجلة، صرح بموالاته التامة للبشير ورفضه للقرار.. وكذلك فعل المستشار بونا ملوال الذي كان في السابق يتولى كبر معارضة الإنقاذ قبل اتفاقية السلام.. وجاء بتصريحات أشد من تصريحات الرئيس البشير نفسه في أديس أبابا وغيرها من العواصم التي زارها.. وكذلك السيد الإمام الصادق المهدي رئيس حزب الأمة الذي أطاح بحكومته الرئيس البشير في يونيو 1989 فإذا به ليس فقط يصادق على إتفاقية التراضي الوطني، ولكنه يصبح أول مسؤول سوداني يستهجن الإدارة الأمريكية ويصدر كتاباً بعنوان «أصم أم يسمع العم سام». كما أن الصحافة الغربية أبرزت ان افريقيا وآسيا وامريكا اللاتينية كلها التفت حول الرئيس البشير.. ومن المفاجآت أن الأمانة العامة للجامعة العربية برزت كأضعف حلقة في هذا الموقف الإقليمي والدولي المتماسك في نصرة السودان.. وحتى في جلسة وزراء الخارجية العرب، حاول الأمين العام ان يأتي بقرار ضعيف لا يتماشى مع روح وزراء الخارجية العرب حتى استدرك عليه وزير خارجية قطر ذلك وطلب منه أن يلتقي مع المندوب السوداني وينسق معه.. ولذلك نطلب من السيد عمرو موسى ان يبرز الموقف العربي بصورة جلية، ويتخذ من المواقف القوية ما يتماشى مع روح الاستهداف والمؤامرة.. ذلك أنه في مجلس الأمن كان توجه ليبيا وجنوب افريقيا.. وتوجه مجلس الأمن والسلم الافريقي في غاية القوة.. كما كان لقاء الرئيس حسني مبارك مع ممثل الرئيس البشير الاستاذ علي عثمان محمد طه قد عكس مواقف في غاية القوة برفض الافتراءات التي حملتها مذكرة أوكامبو. إشارة مهمة ولذلك فإن الإشارات التي أدخلت في قرار مجلس الأمن بالتمديد لليوناميد من أن بعض الدول تبدي قلقها من مذكرة أوكامبو وتأثيرها على الأمن والسلام في السودان.. كانت مسألة مهمة لأن عدم بروز هذه الإشارات والعبارات يؤدي الى الفهم بأن مجلس الأمن رفض قرار مجلس الأمن والسلم الافريقي ورفض مطالب روسيا والصين وغيرهما.. ولكن ان يجىء القرار بهذه الصورة فكأنما مجلس الأمن قد قبل مذكرة الاتحاد الافريقي بدليل أنه سيخصص لها جلسة لمناقشتها. صحيح ان امريكا تحفظت على هذا القرار وذهبت أبعد من ذلك بمطالبتها حذف أية إشارة للإتحاد الافريقي.. ولكن بريطانيا وفرنسا وألمانيا وغيرها قبلوا به.. ما يشي أن أمريكا بدلاً من ان تعزل السودان عزلت نفسها وأصبحت بسطوتها وجبرتها وأساطيلها معزولة تماماً أمام شعبية الرئيس البشير، وأمام تداعي شعوب العالم لنصرة الرئيس البشير. نصر جزئي ولعلنا لا نقول إن ذلك يكفي.. فهذا في نظرنا نصر جزئي.. ونحن نؤمن ان مثل هذه المعركة لن تحسم أبداً بالضربة القاضية.. وإنما ستكسب بالنقاط.. وها هو السودان يكسب نقطة.. وكسب السودان نقطة يجعلنا نتكلم مع من يديرون سياسة السودان الخارجية، ونسألهم عن فقه استشراف المستقبل والتنبؤ بمآلات الأزمة.. وأين التعامل مع الأفق الاستراتيجي للأزمة.. ولماذا نترك أهل السودان دائماً يعيشون في حالة «مفاجأة».. لماذا لا تتم التهيئة النفسية للأخبار غير السعيدة. ومن قبل دار حديث كثير عن قدرة الحركة الشعبية في تغيير السياسة الخارجية لأمريكا تجاه السودان.. وذهبت بعض الوفود هنا وهناك.. ولكن يجب علينا ان لا نبالغ في قدرة الحركة الشعبية لتغيير مسار علاقات أمريكا الخارجية.. لأن الكثير من القيادات التي تتباهى بأنها صديقة لمسؤولين أمريكيين لا تعرف وزنها.. وإن أحسنّا الظن نقول إنها تريد فقط تلميع نفسها، وأن أسأناه فهؤلاء مجرد واجهات وأصحاب قدرات في العلاقات العامة، ويقومون فقط بتنفيذ السياسات الأمريكية وليس إعادة إنتاجها أو تدويرها أو حتى تعديلها.. لأن النوافذ الصعبة لا يفتحها إلا أهلها.. وكما يقولون فإن الخيل الأصيلة تبرز عند «اللفة» وفي المحكات وتبرز في المواقف الصعبة. دعوة للحوار ولعلنا نعتقد ان الفترة القادمة بالاضافة الى التحرك الخارجي الذي بدأ هنا وهناك.. لابد ان يدور تواصل الحوار «الإسلامي- الإسلامي» ولا نسمح للدكتور حسن الترابي أو غيره بإفساده.. ذلك أن إصلاح ذات البين تقوية للشوكة وهذا من ناحية.. ومن ناحية اخرى لابد ان يتصل الحوار «الدارفوري- الدارفوري» ذلك لأن أمن وسلام دارفور هو أمن وسلام السودان.. وأمن وسلام السودان يتكامل مع أمن وسلام دارفور ويتكامل مع الحوار «الدارفوري- الدارفوري» وهذا يتطلب أيضاً تواصل الحوار على المستوى القومي بذات الطريقة التي دار بها الحوار مع السيد الإمام الصادق المهدي حتى تم الوصول الى صيغة التراضي الوطني. وهم عريض ونقول لأهلنا في دارفور خاصة الحركات المسلحة ان التوجه الى الحرب بهدف ان هناك ظلماً لا يبدو مقنعاً.. إذ ما هي مظلمة دارفور من نهب أموالها.. وإذا نظرنا الى الناحية الاقتصادية فكم تدر دارفور دخلاً على الإقتصاد القومي.. والخزينة العامة، فقد ظلت الإنقاذ تعطي باستمرار لدارفور ولا تأخذ منها.. في كل المجالات التعليمية والأمنية والتنموية والغذائىة والثقافية والصحية والرياضية.. إذاً ليس هناك ظلم واقع على دارفور من قبل الدولة.. لكن هناك مظالم تاريخية لدارفور تشاركها فيها كثير من الولايات كالتخطيط للتنمية وإعمار البنى التحتية وقسمة السلطة والثروة.. ولذلك نقول إن دارفور تستحق مزيداً من الدعم نسبة لتخلفها وعزلتها ونسبة لبعدها.. ولكن ليس صحيحاً ان الدولة ظلمت دارفور، فهذا وهم عريض يكذبه إنفاق الدولة بسخاء على دارفور.. ويكفي ان ولاية جنوب دارفور جاءت الثالثة على المستوى القومي من أصل «26» ولاية في امتحانات الشهادة السودانية.. وان دارفور الآن فيها ثلاث جامعات وتضاعفت المدارس الثانوية فيها عشرات المرات، ودارفور التي حباها الله بالماشية والفواكه والتبغ وكل شيء. لا تكاد تدخل خزينة الدولة منها شيء. ودارفور ليست كالجنوب الذي فيه البترول.. حرب غير مشروعة ونقول إن حروب دارفور تبقى حروب غير مشروعة.. والثابت أن التنمية الشاملة والمتوازنة لا تأتي إلا في حالة من الاستقرار وبسط الأمن وهيبة الدولة. ولكن ما الذي يجعل حروب دارفور مشروعة كما تدعي بعض الحركات المسلحة.. هل أمراء الحرب رؤساء دول.. ألم تقم هذه الحركات على النهب والسلب والتمول بالمخدرات والظهير الخارجي.. سواء أكانت فرنسا أو أمريكا أو تشاد أو منظمات الصهيونية العالمية أو غيرها.. فكيف تكون هذه الحروب مشروعة.. ثم أن الحركات المسلحة تتكاثر وتنقسم وأصبحت مشروعات «للبزنس».. فمع من تتفاوض الإنقاذ.. وإذا قال قائل إن الإنقاذ كذلك استولت على السلطة بعمل حربي.. نقول إن المقصود هنا ليس الحرب الجزئية ولكن المقصود أن القوات المسلحة بوحدتها وكامل قوتها أبعدت القوى الحزبية بعملية عسكرية وانقلاب أبيض.. وكانت هناك استحالة مادية في ان ينقسم الجيش أو يخرج على الإجماع القومي الذي دخل فيه..فلذلك الإنقاذ لم تستول على السلطة بعمل حربي وإنما قامت بعمل يسنده اجماع عسكري وسياسي وشعبي وأن الإنقلاب كان انقلاباً أبيض. ولذلك فإن «ابن جماعة» مثلاً يقول: إن الأمير هو من يسيطر على «الشوكة».. بل يذهب الى أكثر من ذلك ويقول نحن مع من غلب.. والأمير الذي تدين له كل القوى يصبح هو الإمام وصاحب المشروع ويصبح هو سيد الدولة.. وحتى في الفقه الإنجليزي تجد ان «فوكس» و«جون لوك» وغيرهما من فلاسفة الفكر السياسي الأوروبي يقرون بذلك. الشوكة.. والحوار وقد يسأل سائل في من يقود الحوار المطلوب.. وما هي أجندة الحوار.. ونقول إن الحوار يجب ان يقوده الرئيس البشير أو من ينوبه أو يفوضه مع كل القوى السياسية.. وفي ذات الوقت يجب ان تشتد الشوكة ويجب أن لا نغفل أبداً بناء الشوكة العسكرية ونحن نواصل الحوار.. لأن القتال لنصرة الدين وإقامته.. والقتال لبناء الوطن.. والقتال لحفظ الأمن الإجتماعي.. والقتال لتأمين مشاريع التنمية والبنى التحتية.. مطلوب.. خصوصاً وسط الضغوط الشديدة التي تتوالى على السودان الآن. وكثيراً ما نبهنا كما أرشدنا الله تعالى في كتابه العزيز «ود الذين كفروا لو تغفلون عن أسلحتكم وامتعتكم فيميلون عليكم ميلة واحدة».. «النساء: 102». ويقول تعالى: «كتب عليكم القتال وهو كره لكم وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئاً وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون».. «البقرة: 216». القتال مطلوب فالقتال مطلوب للنفس لأن فيه فواتها وهلاكها ولكن ماذا يفعل الرئيس البشير.. وماذا يفعل الجيش السوداني.. وماذا يفعل المسؤولون عن بسط الأمن والنخبة الحاكمة.. إذا كان الجنوب يستعد للقتال.. ويوغندا تستعد للقتال.. ودول الشرق وتشاد، كلها مشغولة في أمر بناء الجيوش والتصعيد العسكري.. فلماذا يكون السودان هو الاستثناء.. وآيات القرآن الكريم تشير الى إعداد القوة وإن لم يدرك العبد المصلحة في ذلك.. وروح الشريعة تقوم على فضل الجهاد وجعله من مقتضيات مفهوم العبادة.. والجهاد مقصود لذاته.. لا وسيلة لغاية.. إذ المقصود منه الهداية.. والجهاد منظومة مقاصدية لها أهدافها ومآلاتها.. ومن ضوابطها بالطبع المصلحة. ومع ان الحرب عمل من أعمال العنف، ويستلزم الآخر على الامتثال لإرادة القوى والإذعان له.. إلا ان الحرب كذلك أصبحت في عصرنا هذا احدى وسائل السياسة الخارجية.. وجدواها في ما تحققه من ثمار.. والسياسة الدولية أصبحت هذه الأيام تفتقر للقيم والبُعد الأخلاقي ولا تعرف إلا القوة.. ولذلك فإن أمريكا حينما تتكلم عن الديمقراطية واستخدام القوة لنشر حقوق الإنسان فإنها لا تأتي بجديد وإنما تستخدم هذه الشعارات لفرض إرادتها وهيمنتها ومصالحها. هتلر ونابليون وكلنا يعلم ان «هتلر» من قبل استغل مبدأ تقرير المصير الذي يمضغه الناس هذه الأيام لتحقيق أهدافه واحتلال بولندا وتشيكوسلوفاكيا مستغلاً وجود أقليات ألمانية في هاتين الدولتين. ومن قبل فإن «نابليون» اجتاح العالم تحت شعار الحرية والإخاء والمساواة.. كما أن الاتحاد السوفيتي اجتاح الجمهوريات الإسلامية تحت ستار تحقيق العدالة الاجتماعية وتحت ستار «يا عمال العالم اتحدوا ولن تفقدوا إلا قيودكم» وتحت ستار مكافحة المشروع الإمبريالي والرأسمالي.. تحت الستار والآن تبرز أمريكا تحت ستار الحريات وحقوق الإنسان فالديمقراطية والحديث عن الإبادة وغيرها.. تريد تدمير السودان كما دمرت العراق وأفغانستان.. إذاً في ظل هذه القراءات الصعبة للوضع العالمي فإن التماسك الداخلي يبقى هو الأصل.. والمبادأة الذاتية هي الأصل.. والحوار الداخلي هو الأصل.. والتفسح في المجالس هو الأصل.. ثم بعد ذلك يأتي مشروع التحرك الخارجي.. ويجب ان لا نراهن أبداً على ما يجري في مجلس الأمن.. ولا نراهن على ما سيجري في المحكمة الدولية.. واسمعوها مني.. إذا انعقدت المحكمة الدولية فستجيز مذكرة «أوكامبو».. لأن عدم إجازتها لمذكرة «أوكامبو» سيعني انهيار كل الدعاوى التي أقاموها ولفقوها ضد السودان.. دعاوى الإبادة والاسترقاق والقتل الجماعي وكل هذه المعارك التي بدأت منذ العام 2003م.. ولذلك تحت ضغوط الكتلة الافريقية والكتلتين العربية والإسلامية ربما يلجأون الى أمور إجرائية كتجميد المحاكمة لمدة عام أو مطالبة «أوكامبو» بإجراء مزيد من التحقيق أو غيره. مواجهة طويلة ولذلك يجب أن تُبنى استراتيجيتنا على انه ستكون هناك مواجهة طويلة، ولكنها كما قلنا لن تكسب بالضربة القاضية، وإنما تكسب بالنقاط وقد كسبنا النقطة الأولى وعلينا ان نسير في هذا الطريق بنفس طويل لأنه ملىء بالألغام والصعوبات والأشواك وهذا قدرنا، ولكننا قبلنا بهذا القدر وقبلنا بالتحدي، يقول الله سبحانه وتعالى: «يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم» «محمد: 7». النصرة بالدعاء وإذا كانت النصرة السياسية والشعبية قد بدأت ملامحها واضحة داخلياً وخارجياً فلابد للإنتباه أيضاً لضرورة الإسراع بتشكيل منتظمات مرجعية وفكرية وسند عقدي حتى يكتب لها الاستمرارية وشحذ الهمم بالبُعد الروحي.. ولذلك لابد من المبادأة منذ الآن برص صفوف المنظمات الدعوية كافة وجمعية القرآن الكريم ووزارة الشؤون الدينية بالسعي على درب إعلاء فقه الدعاء وسيلة للجوء الى الله سبحانه وتعالى وذلك بتنظيم حركة الدعاء لله عز وجل في محتشدات جماهيرية تتبناها المساجد والطرق الصوفية والجمعيات الدينية، وأن تتبناها حركة الدعاة في كل أرجاء السودان وفي كل الصلوات أن ينصر الله عباده والسودان ورئيسه البشير وأن يرد كيد أوكامبو وأعوانه.. يقول تعالى: «وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون» «البقرة: 186»، «قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أياً ما تدعوا فله الأسماء الحسنى» «الإسراء: 110»، «واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ولا تعدُ عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فُرُطا» «الكهف: 28».