نشطت في الآونة الاخيرة إختلاسات المال العام بمعدلات مُزعجة وتقرير المراجع العام بالولايات المختلفة يثبت ذلك، لكن الأخطر منها نهب قوت الفقراء والمساكين من موظفين حملوا الأمانة لتوزيعها عليهم حتى لا يتضورون جوعاً، فهم لا حول لهم ولا قوة، ولا جهة يقصدونها سوى الزكاة، وهي حق أصيل وشرعي لهم، وليست مِنّة من أحد أو جهة. إثنان من موظفي مكتب الزكاة بمدينة (ود النيل)، ولاية سنار تصرفا في (قوت الفقراء)، باعا ألف جوال ذرة قيمتها حوالي «08» ألف جنيه، وعدداً آخر من جوالات السمسم تصل قيمتها إلى حوالي «5» آلاف جنيه.. «58» ألف جنيه حولاها دون وجه حق إلى مصلحتهما الشخصية، وليتضور الفقراء والمساكين جوعاً!!. وللأسف عندما يتوجه المحتاجون للذرة من مُستحقي الزكاة للحصول على حقوقهم الشرعية تُغلق أمامهم الأبواب ويتجرّعون عبارة (ليس لدينا شيء)!! فلا يتحصلون ولو على كيلة واحدة من الذرة الغذاء الرئيسي لهم ولأطفالهم، وكنموذج توجه اليهم المواطن الكفيف «عبده محمد أحمد»، «34» سنة، من مدينة «ود النيل»، طالباً العون والمساعدة فعاد بخفي حنين بحجة عدم وجود ذرة أو مال بمكتب الزكاة، حيث انه اضافةً لتضوره جوعاً مع أسرته، فهو يحتاج لتكاليف العلاج حتى يعود إليه بصره، ولكن هيهات!!.. لم يشفع له الخطاب الذي يحمله، والصادر من مكتب والي ولاية سنار لمساعدته. والنموذج الثاني لإمرأة تدعى «حياة الهادي مالك»، وهي أم لإثنين من الاطفال الأيتام، قالت لي بحسرة بينما الدموع تغطي وجهها: (منذ وفاة زوجي العام 8991م لم نستلم شيئاً من الزكاة، اللهم سوى «4» جوالات ذرة، إضافة لمبلغ «07» جنيهاً مساعدة لبناء قطية تأويني مع طفليّ اليتيمين). الفقراء والمساكين والايتام يعانون ويلات الجوع، بينما الذرة المخصصة لهم يتم التصرف فيها دون وجه حق، حيث تم إلقاء القبض على إثنين من موظفي مكتب ديوان الزكاة، بمدينة ود النيل، ولاية سنار، بواسطة جهاز الأمن الإقتصادي بمحلية أبو حجار، وتم فتح بلاغ جنائي في مواجهتهما بنيابة ود النيل، تحت المادة «771» «2» من القانون الجنائي لسنة 1991م (خيانة الأمانة من موظف عام)، التي تشير إلى (خيانة الأمانة)، وهذا نصها: (إذا كان الجاني موظفاً عاماً أو مستخدماً لدى أي شخص، وأؤتمن على المال بهذه الصفة، يعاقب بالسجن مدة لا تتجاوز «41» سنة، مع الغرامة، أو الإعدام).. وحتى زيارتي لمدينة ود النيل نهاية الاسبوع الماضي لا يزال المتهمان تحت الحجز.. مولانا «بدري محمود آدم»، وكيل نيابة ود النيل، الذي التقيت به بمكتبه بالنيابة، رفض الادلاء باية معلومات عن هذا البلاغ حالياً، بحجة أن التحريات لا تزال مستمرة.. وسنتابع هذه القضية في أعدادنا القادمة.