منذ اليوم الأول لاستقلال الجنوب في يوليو 2011 بدأت الحركة الشعبية في الاعلان عن عدائها للسودان عندما تحدث رئيسها في خطاب الاستقلال مخاطباً الحركات المتمردة في دارفور بأنه لن ينساهم. وبالفعل وقبل أن يجف حبر التوقيع على قرار الاستقلال تم فتح المعسكرات للحركات المتمردة بأراضي الجنوب، هذا في الناحية السياسية ، أما في الناحية الاقتصادية فقد خططت الحركة الشعبية لحرب اقتصادية على السودان بدأتها بالتخطيط سراً لاصدار عملة خاصة بالجنوب دون التنسيق مع السودان، فقد كان للسودان ثلاثة مليار جنيه تعادل حينها مليار دولار امريكي متداولة بالجنوب, وكانت الخطة الاجرامية للحركة الشعبية أن تلزم حائزي العملة السودانية بالجنوب بتسليمها للبنك المركزي بجوبا مقابل العملة الجنوبية الجديدة، وبهذا تكسب رصيداً من العملة السودانية تخصص بعضه لدعم الحركات المتمردة في دارفور, وتستورد بالبعض الآخر الذرة والمواد البترولية عبر التجارة الحدودية مع السودان دون أن تخسر أية عملات حرة في هذا الاستيراد. أبطل السودان هذا المخطط الاجرامي بإصداره لعملة جديدة واعلانه العملة القديمة غير مبرئة للذمة فأسقط في يد الحركة الشعبية وخسرت هذه المعركة في الحرب الاقتصادية بين الدولتين. المحور الثاني للحرب الاقتصادية بين الدولتين بادرت به الحركة الشعبية أيضاً بقيامها بإغلاق أنبوب النفط الذي يتم عن طريقه تصدير خام البترول المنتج بدولة الجنوب للعالم الخارجي عبر الاراضي السودانية، وكانت الحجة هي عدم الاتفاق على رسوم مرور الخام بين الدولتين , وهذه حجة مردود عليها لأن التفاوض كان جارياً, وكان من الممكن الاتفاق على رسوم مؤقتة على أن تتم التسوية عند الوصول لاتفاق نهائي. المحور الثالث للحرب الاقتصادية كان هو احتلال منطقة هجليج السودانية بواسطة الحركة الشعبية وتعطيلها لمحطة المعالجة الرئيسية لخام البترول السوداني, وبالتالي الايقاف النهائي لأي انتاج بترولي سوداني. و أثناء الهجوم المضاد الذي شنه الجيش السوداني ومطاردته لفلول الحركة الشعبية بهدف طردها من هجليج قامت هذه الفلول بإحراق المنشآت النفطية وتدمير خطوط الأنابيب. المحور الرابع للحرب الاقتصادية كان هو اعلان الحركة الشعبية اعتزامها تكوين سلاح طيران بما يعني الدخول في سباق تسلح مع السودان. ثمن هذه الحرب الاقتصادية كان باهظاً جداً على كلتا الدولتين ، الخسارة المباشرة للاقتصاد السوداني هي عبارة عن الفاقد الايرادي الناجم عن عدم تحصيل رسوم عبور وخدمات بترول دولة الجنوب والمقدر بمبلغ 6900 مليون جنيه (2.5 مليار دولار) تمثل 27% من حجم موازنة العام 2012 قبل التعديل، و الزيادة المهولة في الصرف في شهري ابريل ومايو 2012 نتيجة للعمليات في هجليج والمقدرة بمبلغ 4000 مليون جنيه (1.5 مليار دولار) عليه تكون جملة الخسارة على الاقتصاد السوداني 4 مليارات دولار تساوي 6% من الناتج المحلي الاجمالي للسودان المقدر حسب تقارير صندوق النقد الدولي بمبلغ 66.6 مليار دولار (2009). أما الخسارة المباشرة لاقتصاد دولة الجنوب فتقدر بمبلغ 2 مليار دولار هي العائد الصافي من تصديره لخام البترول فضلاً عن 250 مليون دولار خسائر الحرب مع السودان .. عليه تكون جملة الخسارة المباشرة على الاقتصاد في الجنوب 2.250 مليار دولار تساوي 22.5% من الناتج المحلي الاجمالي المقدر ب 10 مليارات دولار. من الواضح أن دولة الجنوب هي الخاسر الأكبر في الحرب الاقتصادية بين الدولتين، وأن قدرتها على استيعاب الصدمات الاقتصادية والتعامل معها ضعيف بسبب افتقادها للهياكل الاقتصادية الرئيسية متمثلة في اجهزة الضرائب والجمارك، ويتوقع أن يعاني الشعب في الجنوب من المجاعة لعدم قدرة الدولة على استيراد الغذاء. وفي كل الأحوال فإن التوصل لاتفاق سياسي بين الدولتين ينهي الصراع بكافة أشكاله هو أمر مطلوب لاستمرار النمو والتنمية وتحقيق الرفاه للشعبين.