ليست المرة الأولى التي يحزم فيها ياسر عرمان ومالك عقار القياديان في قطاع الشمال بالحركة الشعبية حقائبهما ويتوجهان إلى العاصمة الإثيوبية أديس أبابا . وليست المرة الأولى التي ينفي فيها المؤتمر الوطني علاقته بوصول الرجلين إلى إثيوبيا مؤكداً أن وجودهما (لا يعنيه) كما قالت النائبة البرلمانية عن المؤتمر الوطني سامية أحمد محمد للزميلة (الأهرام اليوم) مؤخراً، والفارق الوحيد هذه المرة، أن عرمان وعقار حضرا إلى مقر المفاوضات في إقليم بحر دار الإثيوبي، لا العاصمة أديس أبابا. إن صحت أقاويل المؤتمر الوطني وتصريحاته، فإن السؤال الكبير الذي يقفز إلى الذهن، ما الذي يفعله ياسر عرمان ومالك عقار في فنادق إثيوبيا وهما يحزمان حقائبهما إلى هناك أكثر من مرة، هل يرغب الرجلان في الابتعاد عن ميدان المواجهات المليء بالأتربة والغبار بهدف شم القليل من الهواء النقي في مرتفعات أديس أبابا التي تقع على هضبة عليلة الهواء كما يؤكد أهل الجغرافيا والأرصاد الجوي ..! إقدام عقار وعرمان على السفر إلى أديس أباباوإقليم بحر دار لتغيير (الجو) والابتعاد قليلاً عن عناء العمل السياسي والعسكري ضد حكومة الخرطوم في الميدان سيناريو لا يخلو من وجاهة بحسب رأي البعض ، فالكثيرون من السودانيين ، خاصة الشباب أمثال ياسر عرمان، يحلو لهم السفر وقضاء أوقات وسهرات سعيدة في شوارع وفنادق أديس أبابا وغيرها من المدن الإثيوبية، فنادق وسهرات سعيدة يؤكد الخبراء أن تكلفتها منخفضة مقارنة بقضاء الأوقات السعيدة في دول وعواصم أخرى. في واقع الأمر، فإن السيناريو الأقرب للمنطق وحقائق المشهد السياسي ليس سيناريو شم الهواء العليل في إثيوبيا، بل محاولة البحث عن مداخل لبدء المفاوضات مع حكومة الخرطوم بشأن تسوية النزاع المسلح في ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق على أساس اتفاق يونيو الإطاري بين المؤتمر الوطني وقطاع الشمال .. بحسب قرار مجلس الأمن رقم 2046 الذي صدر في مطلع مايو الماضي وأمهل جوباوالخرطوم وقطاع الشمال حتى أغسطس المقبل لحل خلافاتهم العالقة وإبرام تسوية، كما تواترت الأنباء مؤخراً بشأن تنقل الوساطة الأفريقية بين الرجلين وبين مفاوضي حكومة الخرطوم ، في مساعٍ لردم الهوة بين الجانبين واستكشاف إمكانية عقد لقاء مباشر. انشغال حكومة الخرطوم بأزمتها الاقتصادية الداخلية ، ومشكلاتها الكثيرة مع حكومة الجنوب، يفوق انشغالها بتسوية نزاعها العالق مع قطاع الشمال كما يقول البعض، ويرى هؤلاء أن الخرطوم تريد تسوية حساباتها مع جوبا أولاً قبل أن تتفرغ لعرمان وعقار، ما يعني أن الرجلين ليس أمامها في هذه المرحلة سوى نقل موقفهما إلى الوساطة وانتظار ما تنتهي إليه الأمور. التفاوض، وغيره من أشكال العمل السياسي الجاد في فنادق المدن الإثيوبية وغير الإثيوبية، لا يتعارض بالضرورة مع ممارسة القليل من التسكع وشم الهواء من جانب مالك عقار وياسر عرمان أو أي سياسي آخر، ويقول أهل الخبرة بأسرار طاولات التفاوض السودانية في أبوجا ونيفاشا وأديس أبابا إن الفنادق والمناطق التي يتم اختيارها عادة لاحتضان عمليات التفاوض تتسم بهوائها العليل وأجوائها الهادئة وخدماتها الجيدة التي تخلق طقساً يشجع على التفاوض بمزاج، وعلى الترويح عن النفس وقضاء بعض الأوقات السعيدة على هامش المفاوضات..!