عودة رئيس وفد التفاوض السوداني من أديس أبابا للتشاور وترتيب الأوراق، كانت في السابق تتم عادة بعد رفع جولة المفاوضات أو توقفها، فيستغل المفاوضون ذلك التوقف للقيام بمزيد من التشاور مع قيادتهم في الخرطوم، أما أن يعود وفد التفاوض أو بعض أعضائه على وجه السرعة للخرطوم، مثل ما فعل الفريق عبد الرحيم محمد حسين وزير الدفاع مؤخراً، فهو أمر غير مسبوق، دفع كثيرين للتساؤل عما وراء عودة اليوم الواحد من جانب الوزير الذي يترأس اللجنة السياسية الأمنية في وفد المفاوضات السوداني.عودة عبد الرحيم أتت بغرض التشاور والترتيبات الداخلية كما نقلت بعض التسريبات الصحفية، ما يعني وفق تلك التسريبات أن الوزير عرض عليه أمر ما، أو كان على وشك اتخاذ موقف ما، في قضية حساسة، لا تحتمل الحديث مع القيادة عبر الهاتف من على البعد، فلم يجد الرجل بداً من ركوب أول طائرة عائدة إلى الخرطوم كي يعود ويقابل القيادة وجهاً لوجه، ليتأكد من أن ما سيبرمه في أديس أبابا غداً، لن يتم نقضه في الخرطوم بعد غد..أقرب مثال على نقض ما يبرمه المفاوض دون الرجوع إلى القيادة السياسية في الخرطوم، هو المرحوم اتفاق أديس الإطاري الذي وقعه د.نافع على نافع مساعد الرئيس ونائب رئيس المؤتمر الوطني مع مالك عقار زعيم الحركة الشعبية في الشمال في يونيو من العام الماضي، ..فما كان إلا أن تعرض الاتفاق لكيل غير مسبوق من الانتقادات من داخل سور الإنقاذ.. قبل أن يضرب بالاتفاق عرض الحائط.وبينما ضرب بالاتفاق الإطاري عرض الحائط، تم تنفيذ اتفاقات أخرى لكن بكثير من التململ ، مثل اتفاق نيفاشا للسلام الذي لقي بعض من فاوضوا عليه الكثير من الانتقادات لأنهم تراجعوا عن خط حدود 1956م بين الشمال والجنوب وتفاوضوا مع قرنق بشأن مناطق تقع شمال ذلك الخط مثل النيل الأزرق وجنوب كردفان وأبيي.آخر ضحايا السلام، كانوا الموقعين على اتفاق الحريات الأربع الذين فتحت عليهم نيران صديقة من دوائر ومنابر محسوبة على المؤتمر الوطني، ما يعني عملياً، أن كل مفاوضي الإنقاذ مع الحركة الشعبية في مختلف المنعطفات وطاولات التسوية، لم يسلموا من تلك السهام التي يرميهم بها الإخوان سواء تم تصويب تلك السهام الى صدر المفاوض وفي وجهه، أو تم رميه بها من خلف ظهره.على خلفية ذلك المسلسل الطويل من انتقاد المفاوضين وموقعي الاتفاقيات مع الحركة الشعبية، يرى البعض في عودة عبد الرحيم الخاطفة محاولة لحماية ظهره من أي سهام صديقة يمكن أن يرمي بها حال توقيع تلك الوثيقة أو ذلك التفاهم مع مفاوضي الجنوب، خاصة أن الملف الذي يتولاه عبد الرحيم، وهو الملف الأمني، ملف ذو طابع حساس وخطير وسبق أن تسبب ذات الملف في انتقاد كثير ممن تفاوضوا عليه سواء في نيفاشا أو بعدها.. في المقابل، يؤكد آخرون أن عبد الرحيم ليس من النوعية التي تحتاج لحماية ظهرها من سهام الخصوم أو سهام الاخوان على حد سواء..!