نيالا... التي تعنى مدينة الانس والفرح طبقاً للغة الداجو، أبرز المجموعات السكانية القاطنة فيها، فتتحوّل نيالا لاسم على غير مسمى، والأحزان تطرق كل الأبواب هناك.. حيث اعترضت مجموعة مسلحة تستقل ثلاث عربات لاندكروزر مثبت عليها دوشكات طريق عربة هايلوكس تابعة لبنك الخرطومنيالا بها (4) أشخاص، (2) من موظفي البنك، وعسكري حرس، بالإضافة إلى سائق العربة حسب شهود عيان لحادث النهب الذي زاد من أوجاع نيالا أمس الأول، وذلك عند ما كانت العربة في طريقها إلى رئاسة (يونميد) بنيالا حاملةً مبالغ كبيرة من العملات المحلية والأجنبية كرواتب تابعة لبعثة (يونميد)، وأضاف شهود العيان أن المسلحين ضربوا الحرس بأعقاب البنادق، وقاموا بتحويل المبالغ المالية في إحدى عرباتهم، ولاذوا بالفرار إلى الجهة الشمالية من المدينة.تزايد الانفلاتات أخيراً، أثار قلق المراقبين بحكم التأثير على العديد من الملفات التي من شأنها أن تعصف بمشاريع الاستقرار النهائي في الإقليم المنكوب، خصوصاً تلك المرتبطة بأجندة سياسية وتلقي بظلالها مباشرةً على ما يعرف باتفاقية الدوحة.ويبدو أن تلك المخاوف هي ما دفع د. التجاني سيسي رئيس السلطة الإقليمية لدارفور رئيس حركة التحرير والعدالة، للمسارعة وإدانة الأحداث التي شهدتها مدن الولاية والتشديد على تقديم مرتكبي الأحداث إلى العدالة خاصةً الذين اعتدوا على معسكر كساب للنازحين وقتل المواطنين وترويعهم. وثمّن رئيس السلطة الإقليمية لدارفور جهود القوات المسلحة في احتوائها للموقف وتأمين السوق وبعض المناطق الإستراتيجية بالمحلية.تحليلات كثيفة تتراوح بين التأويل السياسي وبين التأويل الإجرامي في تفسير تعقيدات الوضع في دارفور.. سياسياً يعتبر مراقبون أن تطورات المشهد في دارفور غير معزول عما تشهده أديس أبابا من تطورات بين جوباوالخرطوم، اتفاقاً أو اختلافاً، خصوصاً وأن الأول من شأنه أن يلقي بدارفور الى حدائق التاريخ الخلفية، ويضاعف من قدرتها على إعادة تشكيل الخارطة السياسية السودانية والتأثير فيها بعد أن قطعت وثيقة الدوحة شوطاً كبيراً.من نيالا قال الناشط السياسي بهاء الدين الصديق ل (الرأي العام): (يجب ألاّ نسعى لتفسير الاضطرابات الأخيرة في دارفور ومحاصرتها بين ثنائية السياسي والأمني)، وأضاف: (الشارع مهيأ بشكل عام في ظل ما تشهده البلاد من ضائقة اقتصادية وارتفاع في الأسعار، ما يجعل الاضطرابات والتظاهرات والاحتجاجات وسيلة التعبير المثلى في هذه المرحلة. وأضاف أن مبرر الحكومة بوجود الحركات لا يعفيها من المسؤولية، بل يضاعف من واجباتها في حماية المواطن من جهة والتصدي للحركات من جهة وحماية نيالا من جهة أخرى، وما نراه الآن لا يسر).آدم عوض الخبير في شؤون الحركات المسلحة قطع بأن الحركات المسلحة لم تشارك في الأحداث الأخيرة، برغم توافر المساحة الكاملة لتوظيف الاحتجاجات، وقال ل (الرأي العام) إنّ التوظيف السياسي للاحتجاجات وتحويل طاقات الاحتقان والغضب الى عمل احتجاجي يحتاج لقدرات تعبوية وسياسية، وهو ما لا يتوافر في الحركات. واستدرك: (لكن محاولة نقل التفلتات من منطقة الى أخرى تعد بالأساس واحدةً من المهام التي تجيدها الحركات، بحكم قدرتها على التنقل بين ولايات دارفور).الصديق قطع بأن تطور الاضطرابات والتفلتات يصب في صالح لفت الانتباه للحركات المسلحة في دارفور بخلق صداع مباشر للحكومة والمجتمع الدولي من خلال تغذية الاحتجاجات والعبث وتهديد الأمن واستقطابهم لصالح الحركات، ما يجعل احراز أي تقدم في مفاوضات أديس يقابله إشعال نيران عدم الاستقرار في دارفور، ما يجعل الحكومة تجلس للتفاوض مع حركات دارفور الأخرى أو الجبهة الثورية بمعنى آخر.كمال الدين ابراهيم رئيس هيئة تصحيح مسار أزمة دارفور رفض محاولات الربط بين تداعيات الأحداث في نيالا وكتم وبين الأجندة السياسية، وقال: (أية محاولة لتسييس الأمر من شأنه أن يكون بمثابة اللعب بالنار وكل ما تم يرتبط بنوازع إجرامية ليس إلا، وغير مرتبطة بتاتاً بمشاريع أو أجندات سياسية، فمقتل المعتمد ترتب عليه محاولات ثأر، وهكذا).مهما يكن فإن هناك أكثر من جهة يمكن أن تقف وراء تدهور الأوضاع الأمنية في جنوب دارفور، نيالا على وجه التحديد حيث شهدت جملة من الإنفلاتات في غضون أسبوع واحد وهو الأمر الذي يطرح تساؤلات ملحة حول الجهة التي يمكن وضعها في قفص الاتهام.