لا يُمكن لاثنين أن يتجادلا في أن د. كمال عبيد من صقور المؤتمر الوطني القابضين على مبادئه بعزيمة لا تلين، ومن أصحاب المواقف الصارمة في التعامل مع المحددات المنهجية والأخلاقية التي ينطلق منها حزبه في التعاطي مع المستجدات السياسية. كمال عبيد على المستوى الشخصي كادر متدين وعلى خُلق، وعلى الصعيد الحزبي فإنه منظم، ملتزم لا يشق له غبار، وإذا أردنا أن نقيم علاقة الرجل بالحركة الشعبية ومشروعها المعلن فإننا نستدعي مجموعة من المواقف الصلبة والتصريحات الصعبة في مقدمتها تصريح (الحقنة) الشهيرة. أسوق هذا الحديث للذين يمارسون القوامة على المؤتمر الوطني وموفده للتفاوض مع قطاع الشمال د. كمال عبيد، ولا أظن أن هنالك من اكتوى بنار عرمان وألاعيب الحركة مثل المؤتمر الوطني، فكيف يصح أن ينصب البعض أنفسهم أوصياء على الحزب ووفده يمضي للتفاوض حول المنطقتين. بالأمس كان د. كمال عبيد واضحاً فى برنامج (مؤتمر إذاعي) الذي أدلي فيه بتصريح (الحقنة) وهو يخاطب من يطرحون أنفسهم أوصياء على رؤية الحكومة في التعامل مع الأوضاع بالمنطقتين، عبيد أكد على مبدئين الأول يقول: إنه تم تكوين فرق لرصد ما صدر عن الرأي العام من جدل كان يدور حول قضيتي النيل الأزرق وجنوب كردفان، وقال: معظم الذي وصلتنا من تقارير كانت آراء جادة ومواقف مسنودة بمنطق، وأكد عدم رفض أيّة جهة لمبدأ الحوار وإنهاء الحرب على أساس التفاوض السلمي، هذا جانبٌ مهمٌ جداً في التعاطي مع القضية، عدم إيصاد الباب أمام الحوار لتحقيق السلام في ايّة منطقة بالسودان، المبدأ الثاني والمهم فى تعامل الدكتور مع هذا الملف الذى شهد جدلاً كثيفاً جاء يحمل محددات استراتيجية للتعامل مع الطرف الآخر، عبيد قال: (انه اذا لم يفك (قطاع الشمال) الارتباط مع الجنوب ويأتي قياداته كمواطنين سودانيين للنظر في قضاياهم الداخلية متحللين سياسياً وعسكرياً من أيِّ ارتباط خارجي، فإن الحكومة ستلجأ إلى التعامل مع الجهة التي يرتبطون معها) . وأرى أن ما تفضّل به د. كمال يتوافق تماماً مع ما ظل ينتقدنا فيه الرافضون لمبدأ الحوار لحل قضايا المنطقتين، فالحوار أمرٌ لا مناص منه لأن في استمرار الحرب هلاكاً ودماراً وقتلاً وتشريداً لا تسمح به أوضاع السودان ولا أحوال المواطنين في المنطقتين، كما أن القرار الدولي الذي وافقت عليه الحكومة يلزم الدولة ومن باب الحفاظ على سجلها الأخلاقي في الالتزام بالعهود يلزمها باستصحاب قطاع الشمال في المفاوضات، ولكن من حق الحكومة اشتراط أن يكون هذا التوجه بعيداً عن المفاوضات مع دولة الجنوب. النقطة الأهم التي قالها كمال عبيد هو ان ما عزمت عليه الحكومة والمؤتمر الوطني استمد مشروعيته من لقاءات بممثلي المؤتمر الوطني والقيادات الحزبية بالنيل الأزرق وجنوب كردفان، حيث قال إنّ رؤيتهم كانت تقول: (إنّه لا يوجد اختلاف على مبدأ الحوار، وهذا يعني أن الأصوات التي تحاول صد الحكومة عن الحوار في المنطقتين من أحياء الخرطوم والمكاتب المُكيّفة في شوارع القصر والجمهورية والمك نمر غير مؤهلة للحكم في شأن اختار أهله طريق الحوار المستند على مبادئ ومحددات لم يغفلها المفاوضون.