وبمثل ما حاور الرسول الكريم (صلى الله عليه وسلم) النصاري حاور اليهود ، فحينما أتاه أحبار اليهود فقالوا : يا محمد بلغنا عنك أنك تقول: (وما أوتيتم من العلم إلا قليلا) أفتعنينا أم قومك؟ فقال: (كلا قد عنيت). قالوا: ألست تتلو فيما جاءك: (إنا قد أوتينا التوراة وفيها علم كل شىء) - فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) هي في علم الله سبحانه قليل ، ولقد آتاكم الله تعالى ما إن عملتم به انتفعتم به . قالوا يا محمد كيف تزعم هذا .؟ أنت تقول " ومن يؤت الحكمة فقد أوتى خيرا كثيرا " فكيف يجتمع علم قليل وخير كثير؟ فأنزل الله تعالى: (ولو انما في الأرض من شجرة أقلام) لقمان الآية «72» فكان النبي صلى الله عليه وسلم يحاور في المسائل العقلية والعلمية ويجتهد. ومن جنس ذلك أنه أتاه رجل أنكر ولده ، فقال يا رسول الله إن امراتي ولدت غلاما أسود ، فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): (هل لك من إبل ؟ قال : نعم قال: (ما ألوانها؟) قال: حُمر ، قال : هل فيها من أورق؟، قال: نعم، قال: (فمن اين ذلك؟). قال : لعل عرقا نزعه . فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : (وهذا الغلام لعل عرقا نزعه). وفي هذا النقاش اللطيف ، نهاية في تبين الاستدلال ، وفيه كذلك ميل إلى حل القضايا واطفاء الشبهات ، حفاظا على مصلحة العائلة فلم يماشي السائل قط - فيما يثير كوامنه وشجونه ، مثل أن يسأله هل له صاحب أسود أو خادم أو عن اخلاق زوجته وإنما استصحب براءة المرأة طالما موضوع الشكوى سؤال علمي لماذا الغلام أسود؟، فكانت إجابته تتحرى هذه القضية بالمقارنة وضرب الأمثلة ، حتى تعم الطمأنينة العقلية عقل الرجل وكيانه النفسي وينصرف عن الهواجس والوسواس - فالرسول في حواره يهدف إلى حفظ كيان العائلة ، وتقوية التماسك الاسري - لذا استخدم عقله المتكوثر في وضع عقل الأعرابي وكيانه في هذا الإتجاه بدلا من سوقه في اتجاه يؤدي لتفتيت الأسرة وضياع مستقبل الصبي وتشريد الزوجة ، كما أنه لم يرد اعطاء السائل سلطان تأويل يتطرق به إلى شرف زوجته أو رخصة لارتكاب محظور واهمال الرعاية المنزلية وقد قيل لا تمنعوا الحكمة أهلها فتظلموهم ولا تضعوها في غير أهلها فتظلموها . وللأسف الشديد ، فقد غابت صورة الرسول الكريم المحاور ، صورة الرسول ذي الخلق العظيم ، صورة الرسول الذي يحتمل الأذى ويصبر على المكروه، صورة الرسول الذي يحب العلم والأحسان وتجويد العمل - غابت عن المجتمع صورة الرسول الكريم الذي يألف ويُؤلف ، صورة الرسول الذي وضع شرائع قبول الآخر ، صورة الرسول الذي مدحه الله باللطف والتهذيب ونفى عنه نقيض ذلك، لو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك ، فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر، فإذا عزمت فتوكل على الله، إن الله يحب المتوكلين " سورة آل عمران الآية «159»، اي لو كنت جافا في المعاملة والقول لا شفقة عندك لتفرقوا ونفروا - إذاً من أين جاءت الصورة النمطية المصفوفة في بعض الاذهان والتي لا تتفق مع شخصية الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم - ولا أدل على غياب صورة الرسول من مجتمعنا - أن المجتمع لا يكاد يعكس هذه الصورة ولا يكاد يتأسى بها وأن الأداء بعيد عن الرجاء وبعيد عن القدوة في النظافة والإلتزام واللطف والأدب والجدية والقوة والرحمة - ومع إنتشار وسائل الإتصال والتواصل والمساجد ، فإن الفرصة متاحة لبسط صورة الرسول الرحمة " وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ". والسلام.