تجاربٌ تأتينا من هنا وهناك لتؤلمنا بحقائقها ووثائقها أنّ المفاجأة ستظل من أهم خصائص الموت، ليست مفاجأة الميّت وحده، بل مفاجأة مَنْ يحملونه في ذاكراتهم أو أجنداتهم أو مفكّراتهم أو في هواتفهم! طُرُقُ السودان القوميّة منها والولائية لا تزال هي أكبر مكوّن محلي لموت المفاجأة... فلو اكتفينا بالثلاثة وعشرين عاماً الأخيرة التي تأخذ مصطلح سنوات الإنقاذ فسنجد أنّ هذه الطُرُق أخذت منّا كثيراً من الأسماء التي عملت في مشروع الإنقاذ الوطني بأفكارها وأجسامها وأعصابها... وغير قليل من معارضي مشروع الإنقاذ وقعوا ضحايا لتلك الطُرُق، لذلك فهذه الطُرُق تقف على الحياد، فقد أخذت أسماء مهمة من رجال ونساء الانقاذ وأُخرى من معارضيها... انتهت سِيرَهم السياسيّة كلهم دماءً على شارع الأسفلت! آخر الذين ابتلعتهم شوارع الإنقاذ، أحد الانقاذيين العاملين قبلها وبعدها في المشروع الوطني الاسلامي ، الاستاذ فتحي خليل... فتحي خليل في نشأته القانونية الأولى مَزَجَ القانون بالسياسة ، وفي نشأته القانونيّة الثانية غيّر طريقة مزجه فصار يمزج السياسة بالقانون! سودانيّون كثيرون لم يروا أو يسمعوا بفتحي خليل إلا نقيباً للمحامين، لم يعرفوا أنّه كان العقل المُدبّر الذي أنجب اتحاد ثورة شعبان وقائدها ود المكي يوم أن سجّل التاريخ الانتخابي لجامعة الخرطوم تبنّى نظام الحُر المباشر الذي أولده طالب القانون فتحي خليل! الاستاذ فتحي خليل كان بطبعه سياسيّاً ونقابيّاً ومستشاراً ونائباً برلمانياً ورجلاً خَلفيّاً، لكنّه بطبعه ليس تنفيذيّاً، والموقع التنفيذي الأوحد الذي تبوأه في سنوات الإنقاذ وقبلها هو والي الولاية الشمالية، الذي كان أوّل وآخر منصب تنفيذي! أعلم أنّ الاستاذ فتحي خليل كان عندما يأتي إلى تجمّعات الموت مشيّعاً أو معزيّاً أو ذاكراً للموت يقول دائماً انّ مفاجأة الموت هي انّك لا تعرف ما الذي سيسوقك إلى القبر... الآن عرفنا ما الذي ساقك إلى القبر يا فتحي ، سَاقَكَ إلى القبر موت الفجاءة وأنت في كامل لياقتك التنفيذيّة والسياسيّة والنقابيّة... أخذك يا سيادة الوالي شريان الشمال الذي قرّب المسافات بين الولاية وأهلها، لكنّه قرّب المسافة بينك والقبر!!