«الديكتاتوريون يحررون أنفسهم لكنهم يستعبدون الناس».. شارلي شابلن! في آخر حلقات برنامج «في الواجهة» الذي يقدمه أستاذنا أحمد البلال - ويبث على تلفزيون السودان - بدا لنا أن الجمع بين الإمامة الدينية والزعامة السياسية ليس حكراً على الحزبين والسيدين، فالمؤتمر الوطني أيضاً يملك دعاته الإسلاميين وقادته السياسيين الذين يمتلكون - إلى جانب مقومات الزعامة الدينية - مهارات القيادة السياسية.. فالإمام الصادق المهدي - بحسب تعبير الأستاذ البلال - كله دين وسياسة، والشيخ عبد الجليل الكاروري - بحسب ذات المفردة - حاضر بكل عباءاته..! ما يعنينا - في هذا المقام - هو حديث السيد الصادق المهدي عن كونهم - كمعارضة - مبعدون من المفاوضات، وتأمين الشيخ الكاروري على الشكوى بدعوة الحكومة إلى «استصحاب» المعارضة.. ولسنا ندري ماذا فعل الله - بعد الحلقة - بشكوى السيد الإمام ودعوة الشيخ الإمام.. ولكن المرجّح أنّها الآن قد «تسامت» فيزيائياً - أي تبخرت على تصلبها دون مرور بحالة سيولة..! كمشاهد أو مواطن ينتمي إلى جيل أقل تجارب مع الممارسة السياسية وأكثر تضرراً منها أقول إن من آفات ممارستنا السياسية اننا أهل كلام نَتحَدّث عن الديموقراطية ونطالب غيرنا بتحقيقها، ومعارك ساستنا وعلاقاتهم المتناقضة والمُعقّدة تشهد على أنهم أبعد ما يكونون عن العقلية التداولية.. فالحكومة في قيلولة متقطعة لأنها (ضامنة) والمعارضون يتصرفون وكأنهم مجرد ناشطين يناشدون آخر (ما) لدعم قضيتهم، بينما الأجدى والأولى أن يخرجوا جميعاً من قوقعة أفكارهم وأن يتصرفوا مع المواطنين - أتباعاً كانوا أو مريدين - كبشر، وليس كأيقونات يسهل استنطاقها ويصعب - إن لم يكن يستحيل - الذوبان معها..! مسألة الإصلاح السياسي (شراكة كان أم إشراكاً) قديمة متجددة، فلماذا أخفقت؟!.. لأن إرادة التغيير - أياً كان شعارها - شرطها القدرة على التشخيص بالمراجعة النقدية والمحاسبة العقلانية لأخطاء المؤسسة الحزبية أولاً.. فالرهان هنا (بعد خسارة القضايا على يد حملتها ودعاتها) يجب أن يكون على نفض العدة وإصلاح المنهج وإصلاح المفاهيم، عوضاً عن إهدار المزيد من الفرص..! ما الذي تنشده المعارضة ديموقراطية حقيقية أم (تمثيلية).. فلتسمعوا وجهة نظر جيل آخر شعاره (لا بد).. وإنجازه تكرارها.. لا مجال للتفكير في مشاكل السودان الراهنة بعقلية نخوبية احادية - كما يفعل الأئمة الزعماء - لا بد من العمل بعقلية الشراكة ولغة التوسط ومنهج التعدد.. لا بد أن يضع الساسة في حسبانهم أنه يوجد اليوم - في سودان الشمال - (مواطن) أولى من سواه بالحرية والعدالة والمساواة الاجتماعية.. لا بد من إعادة النظر في أمر الشعارات الممجوجة التي خذلت - أول ما خذلت - دعاتها أنفسهم، وانطفأ بريقها ولم تعد تعني شيئاً للأجيال الجديدة التي فقدت ثقتها بجيل سبقها أدمن الشكوى..! نقطة مهمة تتصل بعلاقتنا بالآخر/ الأجنبي، بعضكم يدعو إلى رفض الانفتاح الخلاق على الآخر مع ان الخلافات السياسية في السودان تعيش على ما ينتجه ذلك الآخر من مبادرات ووساطات، ومثل هذه الأحوال تشهد على قصور أدائكم حكومة ومعارضة.. فهل تسمعون لهذا الجيل..؟!