وقع الرئيسان عمر البشير وسلفا كير ميارديت بفندق شيراتون في العاصمة الأثيوبية أديس أبابا أمس، مجموعة من اتفاقيات التعاون السياسي والأمني والاقتصادي بين دولتي السودان، ووقعا اتفاقية التعاون الشامل بين الطرفين وشهد عليها ثابو امبيكي رئيس الآلية الأفريقية ووزير الإعلام الأثيوبي إنابة عن رئيس الوزراء الأثيوبي هايلي ماريام وشملت ثلاث مجموعات من الاتفاقيات تتعلق الأولى بالترتيبات الأمنية والثانية باتفاقيات ما بعد الانفصال والثالثة بالتعاون بين السودان والجنوب. وأكد الرئيس البشير في كلمته بمناسبة التوقيع، التزام السودان بكل ما تم التوقيع عليه، وأبدى الحرص على تنفيذ كافة البنود، وقال: سنواصل بنفس الروح لحل المواضيع المتبقية، ونوه الى أن ما يربط شعبي البلدين من صلات سيسهم في إيجاد حلول لكل المشاكل، وجدد إلتزام السودان بالبروتوكول الخاص بأبيي لحين الوصول لحل بصورة نهائية في الملف، وأشاد بجهود الرئيس سلفا كير، وأثنى على سعة صدره وتحمله مشاق التفاوض والتصرف بحكمة. وأوضح البشير أن ما تم التوصل إليه يمثل أنموذجاً لقدرة الأفارقة على حل مشاكلهم بالتفاوض والحوار، وأضاف بأن الذي تم لم يكن ليتم لولا جهود الاتحاد الأفريقي المتمثلة في الآلية الأفريقية رفيعة المستوى برئاسة امبيكي، ووصف اللحظة بالتاريخية في مسيرة السلام بالسودان والقارة الأفريقية التي بدأت بالتوقيع على إتفاق السلام الشامل، وقال البشير إن السودان احترم خيار شعب جنوب السودان والآن يتوجه باتفاق التعاون وتسوية القضايا العالقة وما بعد الانفصال، وأبان أن الاتفاق يسهل التواصل التجاري والاجتماعي ويدعو للالتزام بحق الجوار الأمني والقوانين والأعراف الدولية، وأشاد البشير بجهود رئيس الوزراء الأثيوبي هايلي مريام ديسالين الذي جمع بين الطرفين ومهد الطريق لهذه القمة لتتوصل الى هذا الاتفاق منتهجا نهج الراحل مليس زيناوي الذي بذل مجهودا مقدرا لفترة طويلة لجمع الفرقاء والتوصل الى سلام دائم في السودان والإقليم. من جانبه، قال الفريق سلفا كير، إن التوقيع على اتفاقية التعاون ينهي نزاعا طويلا بين البلدين بعد الانفصال والتي ما كان لها أن تنجح لولا جهود الرئيس الأثيوبي الراحل مليس زيناوي، وأكد أن رحلة السلام في المنطقة لن تنتهي برحيله، وأشاد سلفا بالجهود الأفريقية في مساعدة البلدين للوصول الى اتفاقية التعاون الشامل، وقال إن بلاده طبقت خارطة طريق الاتحاد الأفريقي وقرار مجلس الأمن، ووعد بالاستمرار في تنفيذ الاتفاقية بالتعاون مع الرئيس البشير، وأكد التزامه بانخراط فريقه المفاوض في ترسيم الحدود وفقا لحدود الأول من يناير 1956م، وأشار إلى عدم توصل الجانبين إلى اتفاق حول أبيي. الاتفاق الأمني وعلمت (الرأي العام)، أن الاتفاق الأمني تضمن الانسحاب الفوري غير المشروط لقوات الجيش الشعبي الموجودة شمال حدود 1/1/1956م بمناطق سماحة و (14 ميل) بشرق دارفور ومحطة بحر العرب جنوب الميرم، علما بان السودان ليست له أية قوات جنوب حدود 1/1/1956م، ونص الاتفاق على تفعيل أمن الحدود بين البلدين وتحديد المنطقة المنزوعة السلاح وتفعيل لجنة مراقبة الحدود والتوقف عن الإيواء أو الدعم للمجموعات والحركات المسلحة، وتفعيل اللجنة الخاصة لتلقي الشكاوى بين البلدين بحيث لا تذهب الشكاوى الى جهات خارج السودان، وتحرك لجنة تلقي الشكاوى في مساحة (50) كيلو داخل الشمال وداخل الجنوب، بجانب الوقف الفوري للدعاية العدائية وإيقاف التصريحات التحريضية، وكشف مصدر مسؤول، أن اللجنة السياسية الأمنية المشتركة ستبدأ اجتماعاتها الأسبوع المقبل للشروع في تنفيذ اتفاقية الحدود. وتشير (الرأي العام) الى أن الاتفاقيات تضمنت الترتيبات الأمنية وحقوق المواطنة والبترول والحدود والموضوعات الاقتصادية التي تشمل الأصول والمتأحرات والديون واتفاقية المصارف المعنية بالبنوك المركزية والمصارف التجارية، بجانب اتفاقية التبادل التجاري، واتفاقية إطارية للمعاشات، وتضمن الاتفاق في ملف البترول تثبيت تعرفة نقل برميل النفط ودفع المبالغ المترتبة على الانفصال، وذكر باقان أموم ومصادر متطابقة، أنه سيتم ضخ البترول بنهاية العام 2012م، فيما قال مصدر مسؤول ل (الرأي العام)، إن الترتيبات الفنية وفتح الخطوط لن تكتمل قبل هذا التاريخ ليبدأ الضخ النفط مطلع يناير المقبل، وتضمن الاتفاق ان يستخلص السودان حقوقه بشأن الترحيل والمعالجة والعبور. وفي الأثناء، غادر دينق ألور أديس أبابا غاضبا الى نيروبي بعد فشل محاولاته في ربط الاتفاق النهائي بقضية أبيي، وقالت مصادر إن ألور يرتب للسفر إلى واشنطن في محاولة لتحريك الملف وممارسة الضغوط على الحكومة السودانية. وتوقعت المصادر أن ينعكس اتفاق البلدين الشامل على بقية الملفات العالقة في قضايا المنطقتين وأبيي، ورجحت أن يعود امبيكي بالملف الى الاتحاد الأفريقي للدفع بخيارات تعزز مبدأ الحل السياسي، واستبعدت ان يتم تحريك الملف داخل مجلس الأمن في هذا التوقيت. وكان يوم أمس شهد اجتماعا مطولا بين الرئيسين عمر البشير وسلفا كير ميارديت، إطمأن على الصياغات النهائية بحضور ثابو امبيكي رئيس الآلية الأفريقية، وأجرى تعديلا على بعض النصوص، وتأجل التوقيع من الحادية عشرة صباحا إلى الثالثة بعد الظهر، وتأخر مرة أخرى لمدة ساعة قبل أن يبدأ وسط حضور إقليمي ودولي كبير واهتمام متعاظم من وسائل الإعلام العالمية، وخلصت اجتماعات ضبط الصياغة في الثالثة ظهر قبل الدفع بها للرئيسين لوضع اللمسات النهائية. ترحيب وفي السياق، أصدرت الحكومة بيانا رحبت فيه بالاتفاق، وأكدت التزامها بتنفيذ الاتفاقيات نصاً وروحاً. فيما رحب الرئيس الأمريكي، باراك أوباما، بالاتفاق، ونقل راديو (سوا) الأمريكي عن أوباما، قوله في بيان للبيت الأبيض أمس: إن الاتفاق انطلاقة لقاعدة جديدة لدعم الرؤية العالمية لدولتين قابلتين للحياة تعيش كل واحدة منهما في سلام مع الأخرى، كما يمثل تطورًا جوهريًا لحل القضايا الاقتصادية والأمنية البارزة بين السودان والجنوب. وأشار أوباما، إلى أن الشعبين في السودان والجنوب، اللذين عانيا بشكل كبير خلال عقود بسبب الصراع، يستحقان أن ينعما بمكاسب السلام الدائم الذي يستطيع أن يتحقق من خلال المفاوضات. بينما هنأ بان كي مون الأمين العام للأمم المتحدة، الحكومتين على توقيعهما عددا من الاتفاقيات. ووصف المتحدث باسم كي مون في بيان أمس، الاتفاق بأنه يشكل اللبنات الأساسية المهمة لبناء أساس قوي لمستقبل مستقر ومشرق في العلاقة بين الدولتين، وأشار الى أن مون أثنى على الرئيسين عمر البشير وسلفا كير لإثباتهما انهما رجلا دولة محنكان مما جعل التوصل إلى اتفاق شامل ممكن، ولأنهما مرة أخرى اختارا السلام على الحرب، ودعا الحكومتين للعمل على إيجاد حلول حول مستقبل المناطق المتنازع عليها والوضع النهائي لأبيي، كما دعا كي مون الدولتين لضرورة الانخراط في تنفيذ هذه الاتفاقيات فورا. ومن جهته، أعلن الاتحاد الأوربي ترحيبه باتفاق دولتي السودان، وقالت كاثرين اشتون ممثل الشؤون الخارجية للاتحاد في بيان أمس، إنها تمثل خطوة تاريخية للدولتين، وهنأت قيادات الدولتين وتحليهم بروح التوافق.