حساب (الورقة والقلم) مُهمٌ جداً في تقييمنا لاتفاقية التعاون المشترك مع دولة جنوب السودان.. إدخال ما تم التواثق عليه في (آلة حاسبة) يجب أن يكون ديدننا في تشريح الاتفاق بعيداً عن الأمزجة والغبائن والثارات والمواقف المسبقة. لم تكن المعارضة مُوفّقة حينما أعلنت أنها سترفض الاتفاق ولو جاء مُبرأً من كل عيبٍ، ربما لم تكن دوائرها متفائلة بأن يمضي الطرفان إلى هذا الحد من التفاهم.. ولكنها (دقست) على كل حال في توقع ما يمكن أن يتفق عليه الطرفان.. وعليها إعادة حساباتها والابتعاد عن النظر إلى هذا الاتفاق ب (عين السخط) التي عادةً ما تُبدي المساويا. السيد الصادق المهدي كان كعادته يغرِّد خارج سرب التقوقع في الذات الحزبية.. رحب بما تم الاتفاق عليه دون أن يغفل التنبيه إلى ضرورة ألاّ نغرق في (البهجة) ونغفل التحدي الذي يواجه الطرفين في الحفاظ على هذا الاتفاق الذي حقق جُملةً من المكاسب الاقتصادية والسياسية والأمنية. نَحنُ أمام اتفاق مهم لابد أن نتعامل معه بمقدار ما يحقق لنا من مصالح بعيداً عن الإنكفاء والنظرة الضَيِّقة.. الاتفاقيات التي شملت الاقتصاد والتجارة والأصول والمتأخرات والديون والعلاقات البنكية والمعاشات والنفط. التفاصيل التي علت هذه العناوين العريضة وضعت العلاقات الثنائية مع دولة جنوب السودان على منصة الانطلاق نحو مستقبل تحكمه علاقات المصالح المُشتركة والمُتبادلة. الاتفاق يوفر موارد من النقد الأجنبي تصل إلى (200) مليون دولار شهرياً كعائد من رسوم مرور النفط عبر الأراضي السودانية إضافةً إلى عائدات التبادل التجاري من العُملة الحرة. الاتفاق سيؤدي إلى خفض أسعار الدولار وقد بدأ هذا الأمر بالفعل وسيعمل على تقوية الجنيه السوداني، وسيزيد من واردات السودان ويعزز من خيارات الحصول على النقد الأجنبي. انخفاض أسعار الدولار سيتواصل.. وفي أسوأ الافتراضات فإن سعر الصرف لن يزيد إذا لم يتراجع.. هذا الأمر سينعكس إيجاباً على حياة المواطنين ورفاهيتهم ومن شأنه الإسهام كذلك في خفض الأسعار أو محاصرة ارتفاعها بعد أن وصلت أرقاماً قياسية خلال الفترة التي أعقبت إيقاف ضخ بترول الجنوب. اتفاق أديس سيعمل على تقليل الصرف على الأمن والدفاع.. وسيبعد شبح الحرب التي كانت تكلف خزينتا أموالاً طائلة.. كما أن الاستقرار الأمني سيعزز مناخ الاستثمار.. وبالنظر إلى أن الفرص الموجودة الآن يعوزها الاستقرار السياسي. تدهور العلاقة مع الجنوب ظل يقف عقبة أمام تدفق الاستثمارات الأجنبية. الإتفاق كذلك يدفع بحركة النقل النهري بين البلدين ويبعث على شراكات لتنمية الحدود ومَد جسور التواصل لتلبية احتياجات الجنوب بما يعزز من عائد الصادرات ويعود على اقتصاد بلادنا بالخير. اتفاق الحريات الأربع سيجعل من الحدود (مَرنَة) وسيضاعف من طاقتها الإنتاجية ويعزز وضعها كمورد مُهم للميزانية.. كما أن ذائقة أهل الجنوب مازالت تراهن على السلع السودانية وتطلب نحو (173) سلعة يعود ريعها إلى موازنتنا التي تحتاج إلى تنويع في الموارد. الاتفاقيات المُوقّعة في أديس قلّبت المعادلة تماماً وأشعرت الجميع بأن السودانيين قادرون على تحويل جحيم الانفصال إلى جنة مصالح وإستراتيجيات تعود بالنفع على البلدين.