يتحمّل علي محمود وزير المالية، مسؤولية التضارب المخجل بينه وإتحاد العمال حول التعهدات الخاصة بزيادة الحد الأدنى للأجور في العام 2013م.. لن يستفيد أحد من إحراج الدكتور إبراهيم غندور رئيس إتحاد العمال بهذه الطريقة وقد أعلن في اجتماع محضور للجنة المركزية لنقابات عمال السودان أن الوزير تكرم مشكوراً بالموافقة على الزيادة.. رئيس إتحاد العمال لا أعتقد أنه تصرّف من تلقاء نفسه وهو يعلن هذا الأمر على ملأ ظل ينتظره كثيراً. ما يحدث الآن من (غلاط) أمر مُسيئٌ للدولة وللمؤتمر الوطني الذي كان من المفترض أن يحسم أمر زيادة الأجور قبل أن يصل الخلاف إلى هذا الحد، وهو امتداد لحالة (العك) غير المبررة التي ظل يمارسها وزير المالية في تعاطيه مع الخيارات والانتقادات والمطالبات المتعلقة بالموازنة. أن يختلف وزير المالية ورئيس إتحاد العمال ويكذب كلاهما الآخر أمام الإعلام تطورٌ خطيرٌ يُشير إلى اضطراب بائن في التعامل مع التطورات الاقتصادية، ولا يدلل على أن الموازنة خرجت من دوائرها داخل الحزب (نجيضة).. سجال وزير المالية وأميرة الفاضل وزيرة الضمان الاجتماعي والمعركة بين غندور والوزير أمرٌ مقلقٌ يؤكد أن الوزير والجهات المناط بها وضع الموازنة مارست (دفن الليل اب كراعاً برة).. وهي تتجاوز حيثيات أساسية تخاطب هموم العاملين وقضايا الشرائح الفقيرة.. لن استغرب إذا عاد وزير المالية واعتذر لغندور غداً مثلما فعل مع أميرة الفاضل لأن المواقف قائمة على الانفعال وشراء اللحظة بعيداً عن إعمال المنطق والفهم الإستراتيجي في التعامل مع مثل هذه القضايا. لم تكن قضية الأجور بحاجة إلى كل هذا الجدل إذا أتقن منسوبو الوطني في قيادة وزارة المالية وإتحاد العمال أهمية الاحتكام للنهج المؤسسي، وانتظار النتائج التي ستخلص لها اللجنة المكلفة من قبل الرئيس عمر البشير للنظر في زيادة الأجور.. وزير المالية كان أول من حكم بالإعدام على قرارات هذه اللجنة وهو يصعد من لهجته الرافضة لزيادة الأجور استباقاً لتوصيات اللجنة.. ومن هنا نجد لغندور الحق في ردة فعله بالسعي لانتزاع اتفاق شرف لزيادة الأجور استجابةً للمطالب الملحة لقواعد عُماليّة انتظرته كثيراً. الواقع سعادة وزير المالية يقول إن كل هذا (الغلاط) في (60) جنيهاً لا تسمن ولا تغني من جوع.. صحيح أنها تعني خطوة في الاتجاه الصحيح للعمال الذين ظلوا صابرين على عدم زيادة الحد الأدنى للأجور منذ العام 2004م.. الواقع الاقتصادي الآن يفرض على الوزير عدم التشدد في مسألة زيادة الأجور التي تحتاج الى (5) مليارات لا أعتقد أن توفيرها مسؤولية العمال.. بإمكان الوزير توفير هذا المبلغ وفق خيارات كثيرة مُتاحة بينها أموال التجنيب ومراجعة الإعفاءات من الضرائب وخيارات أخرى. ما يحدث الآن من قبل وزير المالية (جرجرة) بلا طائل.. فمطالب العاملين عادلة في ظل الأوضاع الحالية.. وتكوين لجنة رئاسية لبحث الأمر اعترافٌ ضمنيٌّ من قبل الحكومة بعدالة القضية.. ليس من مصلحة الدولة ولا حزب المؤتمر الوطني إحراج بروفيسور غندور أمام قواعده المهمة في قضية إستراتيجية مثل الأجور.