و نحن نحتفل هذه الأيام بأعياد الإستقلال , نؤكد أولاً ألا خلاف على قدسية السيادة الوطنية و على (حمرة) خطها . يفرض علينا هذا التأكيد أمران : أولهما الخيبة فى الأنظمة الوطنية التى جعلت البعض لا يتورع من تفضيل الاستعمار , أما الثانى فهو تمييز ضروري يحتاجه (غلاة) الوطنيين , بين الوجود الأجنبى كمستعمر و الحاجة للأجنبي من باب المثاقفة . يمكن أن يكون للأجنبي وجود بقرار وطني , مثل الوجود الأجنبي فى السودان لبناء سد أو استخراج بترول أو الاستعانة بخبراء فى نطاق محدود مثل إسناد مهمة تدريب المنتخب (الوطني) لمدرب إنجليزى , كما حدث بالفعل قبل فترة غير طويلة . و عليه فإن وجود مستر براون مديراً لمدرسة حنتوب أو تأسيس مستر قريفث لمعهد بخت الرضا لا يشبه وجود مستر روبرتسون على رأس الإدارة السياسية للسودان . و ليس من شائبة على مد خطوط السكة الحديد و بناء خزان سنار و إنشاء مشروع الجزيرة و كلية غردون التذكارية و مدرسة كتشنر الطبية . و لم ينقص هذه المؤسسات من شروط الوطنية سوى أن يكون على رأس البلد حاكم وطني يستعين بذات الخبراء و العمال , بل و بمستشار يشير بإنشاء كل هذه المؤسسات . لم نهدم حنتوب بعد الاستقلال , و لم نقتلع خطوط السكة الحديد تحت شعار (كنس آثار المستعمر) و حفظنا نظام الخدمة المدنية و كونّا الحزب و النقابة كما عرفناها من الأجنبي و لا أقول المستعمر و ظل نظامنا يسير بعد الاستقلال على نمط راق لفترة قصيرة بعد رحيل المستعمر , هى ما نطلق عليها (الزمن الجميل) . لم تكتسب تلك الفترة جمالها لخاصية تتصف بها تلك السنوات عما سواها , بل للجوار الزمني مع عهد الاستعمار الذى أدير بخبرات و معارف أجنبية , و لما اتسعت الشقة مع ذلك العهد و تساقط من تدربوا مباشرة مع أساطين ذلك النظام تراجعت المفاهيم و تراجع الأداء فى جل المرافق . بعد يناير 56 أصبح على رأس الدولة وطنيون فاكتمل شرط الحفاظ على السيادة , و لم يعد من حرج , خاصة بعد طول العهد , من وجود من يشبه قريفث فى بخت الرضا و و جود من يشبه جنيسكل فى مشروع الجزيرة الوجع الأكبر بل و لا حرج فى وجود شبيه للإداري الفذ مستر نيوبولد . ما دمنا نقر أنهم أهل معرفة و خبرة و دراية فلنستعن بهم فى كل المجالات , و لنجرب خلق توأمة بين ولاية سودانية و مقاطعة ألمانية مثلاً , و سوف تكون بعد سنوات قليلة ولاية (سودانية) لا تشبه أخواتها .