أحد الوزراء السابقين في الحكومة لخص تجربته الوزارية التي امتدت لاعوام قليلة بالقول انه لم يجد الوقت الكافي حتى يفكر في وضع خطة او تنفيذ خطة موضوعية..الرجل اراد ان يشير الى انه كان مهموما بالازمات اليومية، حتى انها استغرقته تماما منذ ان دخل الوزارة وحتى غادرها. ذات الحال يمكن تعميمه بشيء من التجاوز على بقية الوزراء وبالتالي على الطاقم الحكومي..الحكومة تستحق عن جدارة صفة حكومة الازمات، يصدق هذا تقريبا على كل فترات الانقاذ، ولولا خوف الشطح لقلت على السودان منذ بداية العهد الوطني. مضت قبل يومين -او لم تمض ربما- ازمة الدواء، و(قام) نفَس الحكومة ابتداء من بنك السودان ومرورا بالامدادات الطبية وعطفا على المجلس القومي للصيدلة والسموم وولاية الخرطوم، والمصدرين والمستوردين، وجمعية حماية المستهلك. ريثما تعالج الحكومة هذه القضية باجتماع للقطاع الاقتصادي لمجلس الوزراء، وقرارات من ولاية الخرطوم، واخرى من بنك السودان، وثالثة من المجلس القومي للصيدلة والسموم، وقبل ان تلتقط الحكومة انفاسها، فهناك ازمة قادمة في الطريق، فقط هي بانتظار ان تنتهي ازمة الدواء حتى تجد مساحة مناسبة من الاهتمام. عن ازمة الغاز احدثكم..الغاز، تلك السلعة التي تغلغلت في شعاب حياة الناس، اصبحت الآن بالنسبة لهم(ألغازا). الاسطوانة من تلك السلعة ارتفعت اسعارها بصورة ملحوظة، ولكن ارتفاع السعر على قساوته هو الجانب البسيط في قصة الغاز(المركبة). يدحرج المواطن اسطوانته فارغة الى منافذ التوزيع، ويدحرجها عائدا الى المنزل كما جاء بها، وتتدحرج معه التفسيرات والاقاويل التي تحاول تبرير الازمة، والبحث عن مشجب تعلق عليه بين صيانة المصفاة، وفوبيا وقف الجنوب لتصدير نفطه عبر الشمال. اللغز في قضية الغاز هو ان الارقام لا تكذب، ولكن الواقع يأبى ان يصدقها، آلاف من الاطنان تنتجها مصفاة الخرطوم يوميا تكفي حاجة الاستهلاك، وغاز يخرج حصريا من حقول الشمال دون ان يكون للجنوب يد فيه ولا سبب، وشركات تزعم الوفرة واستقرار الامداد، وبالتالي الاسعار،غير ان الواقع يمد لسانه ساخرا من كل هذه المعطيات، التي هي اشبه بلحية برنارد شو الكثة ورأسه الاصلع(كثافة في الانتاج وسوء في التوزيع). ليس الواقع وحده، المواطن ايضا بات يسخر، ولا يصدق الارقام التي تقول له ان المصفاة تنتج هذه الكمية المهولة يوميا، ولن يرى في المبررات الكثيرة التي تحاول التبرير الا كذبة ابريل البلقاء رغم ان الشهر ما زال بعيدا حتى يتحراه البعض لممارسة الكذب. الجانب المعقد في موضوع الغاز هو ان ندرة هذه السلعة او فقدانها، لا يمثل تراجعا في رفاه المواطنين ونمط حياتهم فحسب، ولكنه منفذ الى الردة والرجوع الى عهود الاعتداء على قطاع الغابات التي فقد السودان منها كثيراً بفعل الانفصال. لم نفقد اسطوانة غاز بسبب الجنوب - كما تقول التقارير- ولكننا قد نفقد الكثير من الاشجار بسبب (فوبياه)، ولو ظلت ازمة الغاز تلقي بثقلها على المواطنين فيهربون منها الى الفحم والحطب، ويعملون في الشجر ضربا بالسوق والاعناق، فإنهم سيجمعون بين السيئتين : فقدان نفط الجنوب، وفقدان الغطاء النباتي.