في بعض الأساطير القديمة ارتبطت الأمطار بالموت، ونزولها يعني أن شخصاً ما سيموت، وفي الخرطوم 2009م، يوجد ذات الارتباط، فما أن ينزل المطر الكثيف حتى يعني ذلك أن شخصاً ما سيموت، وربما أشخاصاً عديدين بطرق مختلفة، منهم من يموت بصعقة كهربائية من سلك عار، ومنهم من يسقط وتزل قدمه في بئر السايفون، ومنهم من تسقط عليه الجدران والسقف وهو قابع في مكانه مثلما حدث نهار أمس لذلك الطفل في منطقة سوبا الأراضي جنوبالخرطوم الذي كان نائماً تحت ظل جدار طيني لم يلبث أن انهار فوقه وأدى إلى مصرعه فوراً، مربع (1) وهي المنطقة التي وقعت فيها الحادثة ظهر أمس أثناء جولة ميدانية ل(الرأي العام) في سوبا الأراضي، مغمور بالماء كلياً حتى مسافة نصف متر أو أكثر من سطح الأرض، وتحاصر المياه مربعات وحارات كاملة لا يستطيع سكانها الخروج خاصة الناس والأطفال وكبار السن، وتبلغ نسبة الدمار ما يزيد على سبعين بالمائة من المساكن حسب مشاهدات «الرأي العام»، وعشرات الأسر اتخذت من ردمية ترابية على جانب منطقة سوبا الأراضي ملاذاً آمناً حيث هرع معظم من تهاوت بيوتهم إلى ذلك المكان ونصبوا في العراء خياماًُ و(رواكيب) بدائية الصنع لتقيهم برد الليل، وحرارة النهار، وباستثناء بعض الوجبات التي توزعها بعض الجهات فإن المنطقة خالية من آثار أي نوع من أنواع المعونات أو المساعدات. عندما أتي خبر سقوط الجدار على الطفل، كنا لا نزال في الردمية على جانب المنطقة، وهي منطقة تقع على طريق المواصلات، والناس المنتشرون فيها أشد تفهماً للفرق بين الصحفي والمسئول، وبالتالي الفرق بين ردة الفعل إزاء كل منهما، ودفعتنا رغبة في التوغل في بحيرات الماء صوب عمق المنطقة حيث الدمار الهائل، لكن أيدي بعض السكان امتدت لتمسك بنا، وانطلقت التحذيرات وهي تحمل رسالة واضحة للغاية من أشخاص يعايشون ما يحذرون منه لحظة بلحظة، أي شخص غريب يبدو عليه أنه غريب ويحمل كاميرا أو ورقاً وقلماً سيكون هدفاً محتملاً جداً لاعتداءات من السكان الساخطين، وربما من أهل الطفل الراحل أنفسهم. الناس هناك يتساءلون بحيرة عن مصيرهم بعد أن فقدوا منازلهم، ومصير عائلاتهم، كما أخبر ذلك الرجل الخمسيني إحدى الزميلات. موت ذلك الطفل في الساعة الواحدة من ظهيرة أمس بعد أن سقط فوقه جدار متهالك بسوبا الأراضي لم يكن غريباً لأنه الأول من نوعه، أو أنه سيكون الأخير، ولكن لأن قصته كتبت من على البعد، بعد أن حالت بحيرات المياه وسخط وغضب السكان دون الوصول إليه.