احدث اتفاق اديس الاخير بين الحكومة ودولة الجنوب نوعاً من الارتياح النفسي كان اثره المباشر تراجع سعر الدولار واختفاء حالة التشاؤم التي سيطرت على المشهد السياسي، وتلاشى اليأس الذي استبد بالبعض حتى ظن ان ما بين السودان والجنوب سيكون على غرار ما بين الكوريتين (دون الدخول في نفق التشبيه ايهم كوريا الشمالية). ولكن ظني - الذي قد يرقى الى درجة تقارب اليقين - هو ان السودان او حكومة السودان، لن تنعم كثيراً بفوائد الاتفاق مع الجنوب، ولن تلتقط انفاسها التي تقطعت أو كادت في التفاوض وحراسة الحدود والتصدي لمحاولات فرض الامر الواقع في ابيي و«14ميل» وجنوب كردفان والنيل الازرق. قبل ان تنتهي الحكومة من تطبيق الجداول الزمنية في المصفوفة، وتبحث عن حل نهائي لمشكلة ابيي، فإن موضوع التفاوض مع قطاع الشمال سيكون العقبة الجديدة المطلوب من الحكومة اقتحامها. في الوقت الحالي الذي يرتب فيه الوسيط الافريقي امبيكي لجمع اوراق التفاوض مع دولة الجنوب ووضعها في ملف واحد كمنجز ثمين للآلية الافريقية رفيعة المستوى، فإن سكرتاريته ستنشط بالتزامن في ترتيب اوراق التفاوض مع قطاع الشمال. مجلس الامن والاعضاء الدائمون فيه وعلى رأسهم الولاياتالمتحدة لن ينظروا (بالقطاعي) الى القرار «2046» الداعي الى حل النزاع بين السودان وجنوب السودان، والذي ينص في ذات الوقت على التفاوض مع قطاع الشمال.. وقد ظهر ذلك اوضح ما يكون في امتناع واشنطن عن الترحيب بالمصفوفة، ودعت عوضاً عن الترحيب الى الالتفات الى الاوضاع في جبال النوبة وجنوب كردفان. التفاوض في حد ذاته ليس امراً سيئاً، بل هو مطلوب لاحداث اختراق سياسي للازمة في جنوب كردفان والنيل الازرق بعد ان فشل الحل العسكري في فرض الامر الواقع، ولكن الراجح ان قطاع الشمال سيدخل التفاوض بمطامع كبيرة تتعدى قضايا النيل الازرق وجنوب كردفان، وإلى هذا اشار مالك عقار بالقول (فيما نسب اليه) انهم مستعدون للقتال لسنوات طويلة ولكن لن يكون سقفهم المشورة الشعبية. السيئ في الامر هو ان الحكومة فاوضت ووقعت على اتفاقية نيفاشا على اساس معادلة ظنتها تتلخص في تحمل المسؤولية السياسية لانفصال الجنوب، مقابل ان تستقر الاوضاع بصورة نهائية في الشمال.. ولكن انفصل الجنوب، وما زال الحبل على الجرار.