ما أن وجه ثابو امبيكي الوسيط الأفريقي الدعوة لقطاع الشمال لبدء المباحثات مع الحكومة في الثالث والعشرين من أبريل الحالي، إلا وفجّر قطاع الشمال مُفاجأة من العيار الثقيل بتسمية الأمين العام للقطاع ياسر عرمان رئيساً لوفد التفاوض، في خطوة أكدت من خلالها الحركة استعدادها للتفاوض بوفد يضم «15» عضواً.. خطوة الحركة او القطاع بترأس عرمان لوفد التفاوض، بدا للكثيرين نوعاً من الاختيار المستفز، لجهة أن الخرطوم أقدمت على سحب د. كمال عبيد أحد رموز تيار الصقور في حزبها الحاكم، الذي يعده المراقبون متطرفاً فى الكثير من القضايا، ما يشير الى محاولة الخرطوم إبداء مرونة أكبر في الملف القديم المتجدد.. اختيار ياسر عرمان، أثار دهشة الخرطوم إلى حين، أفاقت منها بسرعة معلنة رافضةً تأويلها واستباق الأحداث، ورفض الناطق الرسمى باسم المؤتمر الوطنى ياسر يوسف التعليق على الخطوة، مفضلاً إحالة الأمر للبروفيسور إبراهيم غندور المعني بملف التفاوض.. في مستويات الحزب الحاكم الأخرى برز تيار رافض للتفاوض مع قطاع الشمال، باعتبار أن ياسر طالما هو رئيس الوفد فإنّ قضايا المنطقتين وحملة السلاح من مواطني جنوب كردفان والنيل الازرق لن ترى النور، ولن تكون الأجندة الرئيسية. واعتبر د. ربيع عبد العاطي عضو القطاع السياسى بالحزب الحاكم، أن خطوة القطاع فى تسمية عرمان فى ذات توقيت تسمية بروف غندور من جانب الخرطوم هو نوع من المكايدة السياسية ليس إلا، مؤكداً أن تسمية شخص لا يمت بصلة لمواطني أو من ابناء المنطقتين، يعد امراً غير مقبول من قبل مواطنى جنوب كردفان والنيل الازرق، ويمثل استفزازاً للقيادات ويثير الحساسيات، وأضاف في حديثه ل (الرأي العام) أمس إن الخطوة غير موفقة لان الوفد فى ظل وجود عرمان لن يناقش هموم المنطقتين أو اسباب حمل السلاح بقدر ما أنه سيناقش قضايا تهم عرمان نفسه. وكشف ربيع ل (الرأي العام) عن ثمة مياه كثيرة ستجرى تحت الجسر قبل أن يحين موعد التفاوض مع قطاع الشمال، وقال: (لا أرى أن الامر سيمر في وفد التفاوض طالما كان عرمان رئيساً الا اذا التزم بقضايا المنطقتين). التيار المرن داخل الوطني كما يصفه البعض، يرى حتمية وضرورة وأهمية عملية الحوار لإغلاق الباب في وجه الرياح، ونقلت تقارير إعلامية فى وقت سابق عن محمّد الحسن الأمين رئيس لجنة الأمن والدفاع بالبرلمان إن التفاوض مع قطاع الشمال مسألة أو قضية سياسية، مؤكداً دعم لجنته لمبدأ الحوار غير أن هناك مسائل عالقة، وأبان أن اللقاء مع بعض قيادات قطاع الشمال لا يكون متاحاً في هذه الظروف. موقف الخرطوم الرسمي والمعلن ظل مركّزاً على رفض التفاوض مع القطاع ككيان سياسي وتم اختزاله فى حالة تمرد وخروج على شرعية الدولة ليس إلا، وأن ما يغذي بقاءه ينبع من أحقاد الحلو وعقار وعرمان، واعتبر البعض أن النظر للقطاع ككيان سياسي يعد كفراً مبيناً ويفتح الباب لتمردات أخرى بحسب منطق البعض في الحزب الحاكم، وأن النظر له يجب أن يكون عن طريق مكوناته من ابناء النيل الازرق وجبال النوبة. من جانبها، ظلت الحركة الشعبية قطاع الشمال تربط زمنياً بين موافقتها على الحوار بأديس ابابا وبين تحركات دبلوماسية ماكوكية بهدف كشف تكتيكات الحزب الحاكم واحكام الحصار حوله، وطرحت فى مواجهته قدراتها في تكوين التحالفات وامكانية تطويرها سواء فى الجبهة الثورية أو الفجر الجديد من بعد ذلك. رفض الخرطوم للتفاوض سابقاً تم تفسيره بشكل مغلوط، لجهة انعدام المبررات المنطقية فى تحدي الشرعية الدولية التي نصت فى قرارها «2046» على اعتبار اتفاق نافع - عقار ارضية يستند عليها للوصول الى تسويات نهائية بين الخرطوم وابنائها فى قطاع الشمال، فيما يذهب آخرون الى ان الخرطوم تتجاذبها تيارات ابرزها القائلة بضرورة الجلوس لتفويت الفرصة على المتربصين بها عقوبات وحظر واستهداف بالتفتيت، وان التفاوض في حد ذاته يقطع الطريق على القول بأن الخرطوم تتجاوز الشرعية الدولية فى نص القرار «2046» الصادر من مجلس الامن الذي اعتبر اتفاق نافع - عقار أرضية للتفاوض بين الطرفين. فيما نجح التيار الآخر فى صفوف الحزب الحاكم بتعطيل التفاوض الى حين تأكيد فك ارتباط القطاع بالجنوب من خلال إخلاء سبيل الفرقتين التاسعة والعاشرة فى النيل الازرق وجنوب كردفان، وهو الامر الذي اعتبر نافذاً بشكل ضمني، وإلا لما وقعت الخرطوم على المصفوفة باعتبار أن فك الارتباط أحد ابرز محاور الترتيبات الأمنية التى ظلت تطالب بأولويتها لضمان استمرار السلام مع جوبا، وهو ما يقحم قطاع الشمال فى عمق دائرة الأحداث، بعد إعلان الجنوب فك ارتباطه عسكرياً وسياسياً مكرراً ذلك في كل جولات التفاوض. عموماً السخرية من الرفض الحكومي انطلق بعدما كشف الخبير العسكري، الشفيع الفكي المأمون مستشار مولانا هارون بجنوب كردفان رئيس القطاع السياسي للمؤتمر الوطني بالولاية عضو وفد التفاوض عن المنطقتين ل (الرأي العام) في وقت سابق، بأن في الجولة الفائتة كان قطاع الشمال هو الذي يرفض التفاوض مع الحكومة حسب ما أوضح عضو الوفد الحكومي السابق الشفيع الفكي المأمون في حديث سابق ل (الرأي العام)، وأضاف: (أفسحنا المجال للحركة للحوار والتفاوض أكثر من مرة من أجل الوصول لحل يرضي كل الاطراف ويحقق السلام، ودعوناهم للجلوس، لكنهم لم يحضروا). وتابع: (وآخر مرة ذهبنا وانتظرناهم لكنهم لم يحضروا، ما يعني أن ثمة شيئاً في الخفاء)، وأرجع الشفيع الفكي المأمون تعنتات القطاع وتمنعه بسبب أجندة خفية، واعتبر أن من اشتراطات التفاوض مع القطاع التحرر من الأجندات. ترتيبات المؤتمر الوطني الأخيرة لخوض جولة التفاوض الحالية مع القطاع ارتبطت الى حد كبير بمجموعة من الشروط في مقدمتها فك الارتباط مع دولة الجنوب، ونقلت تقارير اعلامية تفسيراً للتغيير في وجهة نظر الحزب الحاكم على لسان مسؤوله السياسي حسبو عبد الرحمن، الذي اعتبر أن أي حوار لا يمكن الحديث عنه في ظل الوضع القديم، وقال: (لا يمكن أن نتفاوض مع سودانيين هم جزء من هياكل دولة الجنوب). وأضاف: (عندما حدث فك الارتباط تحقق ذلك وأصبح بالإمكان الحوار مع قطاع الشمال خاصة أن هناك هدفاً استراتيجياً هو الوصول إلى سلام). حسبو لم يستثن الشكل العام لمكونات وفد التفاوض، وكشف طبقاً لما نقل عنه عن أنّ الحوار مع قطاع الشمال ليس حصرياً على مالك عقار أو الحلو، واستدرك (ياسر عرمان خارج إطار الحوار في المنطقتين لجهة أنه يحمل أجندة الجبهة الثورية). إذاً عرمان كرئيس لوفد التفاوض يشكل خميرة عكننة، يمكن لها أن تجبر المؤتمر الوطني على تجاوز تاريخ التفاوض المعلن فى الثالث والعشرين من الشهر الحالى، وهو الامر الذي يستبعده عبد العاطي، فيما يراه عضو وفد التفاوض الشفيع المأمون ممكناً حال تم الاصرار على عرمان بأجندته التى تتجاوز المنطقتين، رافضاً فى الوقت ذاته اعتبار تسمية عرمان أمراً مربكاً للوطني أو محرجاً، وقال (نحن نمثل شرعية الدولة وهو متمرد ليس إلا، فإذا جاء من أجل الحل لترك السلاح فنعم، أما كطموح فلا).