المفكرة الصحيفة حافلة بالأحداث المحلية والعالمية أقدم للقراء اليوم مزيج معتق من كوكتيل المعلومات التوثيقية المهمة عن أهم أربع مؤتمرات دولية شارك فيها السودان ولعب فيها أدواراً في محطات السياسة العالمية. ومن بين تلك المؤتمرات الأربع المؤتمر الأول لدول عدم الانحياز الذي عقد ببانج دونق بأندونسيا في شهر مايو من عام 1955م ومثل فيه السودان بوفد برئاسة إسماعيل الأزهري رئيس الحكومة الوطنية الأولى ورافقه وفد وزاري على مستوى عال منهم مبارك زروق وحسن عوض الله. فقد دعت لهذا المؤتمر التاريخي العظيم خمس من الدول برئاسات الفيلد مارشال تيتو زعيم حركة التغيير الاشتراكي بيوغسلافيا وزعيم الأمة العربية جمال عبد الناصر من مصر والرئيس الغاني نكروما والرئيس الصيني شوان لاي والرئيس المالي سيكاتوري. فقد احتوت أجندة المباحثات عدة قضايا إستراتيجية جوهرية منها مسائل تتعلق بالاقتصاد والمساعدات الفنية والوقوف معاً حول حركات التحرر الوطني والتصدي للنشاط الامبريالي الغربي، كما تصدى المؤتمر بصورة مركزة على آثار الأوضاع الاقتصادية التي لا تقف عند أفراد الشعب الواحد بل تتعداها إلى نظرة المؤتمر إلى سائر الأمور وعلاقته أي المؤتمر بغيره من الشعوب علماً أن كثيراً من البلاد في أفريقيا وآسيا والشرق الأوسط تعاني مشاكل مختلفة. وكان إسماعيل الأزهري قد ألقى خطاباً تاريخيا رائعا في الجلسة الافتتاحية للمؤتمر أشار فيه إلى اشتراك السودان الحديث الماضي نحو المراحل الأخيرة للحرية الشاملة الكاملة وهو اشتراكه في هذا المؤتمر الخطير الذي يضم عدداً ضخماً من دول آسيا وأفريقيا تمثل أكثر من نصف سكان العالم، ومع أن بعض الدول التي تمثلها مازالت تعاني قليلاً أو كثيراً بعدم الاعتراف الكامل لنيل استقلالها أو مازالت تكافح في سبيل رفع مستوى شعوبها وتأمين حريتها. وقال الأزهري في خطابه وهو يخاطب بالإشارة إلى رئيس المؤتمر سوكارنو.. سيدي الرئيس .. سادتي لقد أحسن رؤساء الدول الداعية صنعاً حين أوضحوا وجهة نظرهم بجلاء في أن قبول أية دولة للدعوة لا يعني ولا ينطوي بأي حال على تغيير في وضعها أو علاقاتها بالدول الأخرى المشتركة ،وأنه لا يعني أكثر من قبول الدول بصورة عامة موافقتها على أغراض المؤتمر، كما أوضحوا أن لا يحق لدولة أن تتدخل أو تعلق على نظام الحكومة وأسلوب الحياة في الدول الأخرى.. كما ألقى أعضاء وفد السودان كلمات وكان الأزهري أخرج من جيب بدلته منديلاً أبيض تعمداً لعلم السودان. مؤتمر البلدان الآسيوية: عقد هذا المؤتمر في نيودلهي في الفترة من 6 ? 10 أبريل 1955م اشترك في هذا المؤتمر أكثر من مائتي مندوب ومندوبة يمثلون الأكثرية الساحقة من البلدان الآسيوية، ومن بين البلدان المشتركة الهند ? الصين ? اليابان ? الاتحاد السوفيتي ? بورما ? الباكستان ? سوريا ? مصر ? لبنان والأردن وشارك السودان ضمن الدول الرافضة بوفد رفيع المستوى، فقد ضمت الوفود علماء ورجال فكر واجتماع ودين. عالج المؤتمر خلال الخمسة أيام أهم القضايا التي تهم البلدان الآسيوية من اقتصادية وسياسية واجتماعية وثقافية، كما ألقيت قضايا العرب الوطنية التي دافعت عنها الوفود العربية. فصدر قرار خاص بتأييد نضال الشعوب العربية ضد الأحلاف العسكرية والضغط الاستعماري الصهيوني. مؤتمر بلجراد: عقد هذا المؤتمر بالعاصمة اليوغسلافية سابقاً بلجراد في اليوم الأول من سبتمبر 1961م بدعوة من نادي عدم الانحياز، وقد ولد هذا النادي كما هو معروف في مطلع الستينيات على يد جوزيف تيتو وجواهر لال نهرو الرئيس الهندي وجمال عبد الناصر في ظروف كانت قضية الدول الصغيرة تدور حول التحرر من الاستعمار وسيطرة القطبين الكبيرين أمريكا والاتحاد السوفيتي أيامها. وكان هذا الجهاد للدول الخمسة وعشرين التي جمعها هذا المؤتمر والذي وصف آنذاك بأنه الجهاد الأكبر. وقد بحث هذا المؤتمر أخطر القضايا السياسية والاقتصادية التي تواجه حركة عدم الانحياز ودولها وفي مقدمتها: قضايا الانفراج الدولي والديون وقضايا التحرر الوطني. قاد وفد السودان الرئيس الفريق إبراهيم عبود ورافقه عراب النظام النوفمبري أحمد خير وزير الخارجية. فقد ألقى الرئيس عبود خطاباً.. قال فيه (أن هناك سبيكة جديدة للأوضاع الدولية يتم صهرها ويجب أن لا يتم ذلك في غيبتنا أو دون إسهام ملموس من جانبنا وها هو الآن السودان يستعد للمشاركة في مؤتمر بطهران. الذكرى (46) لمؤتمر اللاءات الثلاث بالخرطوم.. لا تزال أجيال عربية عديدة تهتم بالشأن القومي العربي وبالأمن الاستراتيجي العربي.. ومن بينها شعبنا السوداني الذي ظل يهتم ويتفاعل مع القضايا العربية بمعدل تركيز عال، ولا تزال الأجيال تلو الأجيال تتذكر تلك النكسة التي ضربت العرب وبقيادة مصر وقتذاك في مقتل إثر ما تسمى بحرب الأيام الستة التي تمكنت فيها إسرائيل من إحداث هزيمة قاسية وقاضية على الأمة العربية ابتداء من 31 مايو 1967م وحتى صبيحة اليوم السادس من حزيران يونيو 1967م وأدت إلى استقالة الرئيس جمال عبد الناصر وعودته وبعد شهرين أي في أغسطس من نفس العام 1967م شرع السودان لعقد مؤتمر قمة عربي، فقد طلب الرئيس إسماعيل الأزهري وكان رئيساً لمجلس السيادة من السيد علي الميرغني الاتصال بالملك فيصل ملك المملكة العربية السعودية حاثاً إياه بأهمية الحضور لمؤتمر القمة في 18 أغسطس 1967م لأن حضوره لقمة الخرطوم العربية سيمثل قوة دفع عالية لإيجاد الحلول للقضية العربية لما للملك شخصياً وللملكة العربية السعودية من أدوار ووزن عربي وإسلامي ودولي. فضلاً عن قوة الوزن الاقتصادي السعودي وبالفعل حضر الملك فيصل والرئيس جمال عبد الناصر وتم الصلح بينهما، وانتهت تلك القمة التاريخية قمة الخرطوم بلاءاتها الثلاث المعروفة ودخلت مصر في إعادة بناء جيشها مرة أخرى حيث تفرغ الرئيس عبد الناصر تماماً لهذا البناء بعد أن أزاح كل القيادات السابقة من الحكم كالمشير عامر ووزير الحربية شمس بدران ومعظم قادة الجيش فضلاً عن إعفاء مدير المخابرات الحديدي اللواء صلاح نصر بل تقديمه إلى محاكمات عسكرية بسبب التراخي في تلك الحرب غير أن المشير عبد الحكيم عامر قد سبق الأمر وقام بالانتحار بتناوله لحبوب ذات جرعات من السموم العالية وهو في مقر إقامته الجبرية بمنزله بالهرم ? هذه المعلومة الأخيرة لا زال الجدل يدور حولها هل انتحر أم قتل إلا أن القيادة المصرية عادت في عهد الرئيس محمد أنور السادات بالانتصار على إسرائيل في عام 1973م عندما تخطت القوات المصرية خط بارليف والسيطرة تماماً عسكرياً وهو نصر تاريخي لم يحدث طيلة الحروب مع إسرائيل من عام 1948م وعاد السادات وأجرى صلحاً مع إسرائيل وتبادل التمثيل الدبلوماسي معها معترفاً بها.